Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 88, Ayat: 17-26)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَ } ينكرون ويستبعدون أولئك البعداء ، المنكرون ، المفرطون قدرة الله القدير الحكيم على أمثال هذه المقدورات { فَلاَ يَنظُرُونَ } بنظر التأمل والاعتبار { إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [ الغاشية : 17 ] على الهيكل الغريب والشكل العجيب تحمل كثيراً وتأكل قليلاً وتصير منقادة لكل أحد حتى النسوان والصبيان مع عظمة جسمها وكمال قوتها وقدرتها وتتحمل على الجوع والعطش مدة ، وتتأثر من المودة والغرام ، وتسكر منها إلى حيث تنقطع عن الأكل والشرب زماناً ممتداً ، وتتأثر أيضاً من أحسن الأصوات والحدي ، وصارت من كمال التأثر إلى حيث تهلك نفسها من سرعة الجري ، وتجري الدمع من عينها ، وبالجملة : ظهر منها حين حُدي عليها عجائب كثيرة ، يتفطن بها أهل العبر والاستبصار . { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } [ الغاشية : 18 ] بلا عمد وأساندي منثورة عليها من الكواكب التي لا ندرك حقائقها وأوصافها وأشكالها وطبائعها وحالاتها ، وما لنا منها إلاَّ الحيرة والنظر على وجه العبر . { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ } الرواسي { كَيْفَ نُصِبَتْ } [ الغاشية : 19 ] على وجه الأرض مشتملة على معادن ومياه وأجسام . { وَإِلَى ٱلأَرْضِ } التي هي مقر أنواع الحيوانات وأصناف المعادن وأنواع النباتات { كَيْفَ سُطِحَتْ } [ الغاشية : 20 ] مهدت وبسطت . ومع وضوح هذه المقدورات العظيمة الشأن ، الصادرة من الحكيم المنان ذي الطول والإحسان ، ينكرون قدرته سبحانه على المقدورات الأخروية ، فالعجب كل العجب عمن شهد آثار القدرة الغالبة الإلهية في نفسه وفي الآفاق ، فتردد في المقدورات الأخر الأخروية وأنكر عليها . وما ذلك إلاَّ من ظلمَّات الأُلف والعادات المترتبة على الأوهام والخيالات الباطلة والطارئة على أهل الغفلة والضلال ، المسجونين في سجن الإمكان بأنواع الخيبة والخسران وإلاَّ فظهور آثار القدرة الغالبة الإلهية أجل وأعلى من أن تتردد فيه الآراء ، أو تنكر عليه الأهواء ، وبالجملة : { مَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] . وبعدما سمعت ما سمعت من كمال قدرة الله { فَذَكِّرْ } يا أكمل الرسل بالقرآن بمقتضى ما أُمرت به وأُلهمت { إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } [ الغاشية : 21 ] مبلغـ فلا بأس عليك إن لم ينظروا ولم يعتبروا ، ما عليك إلاَّ البلاغ ، فلا تقصر في تبليغك . إذ { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } [ الغشية : 22 ] مسلط ، ملزم ، مكره للقبول ألبتة . { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ } يعني : لكن من أعرض وبغى بعد تذكيرك وتبليغك { وَكَفَرَ } [ الغاشية : 23 ] وطغى بما سمعك منك ، واستهزأ معك وكذبك . { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ } العزيز الحكيم المقتدر على وجوه الانتقام { ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } [ الغاشية : 24 ] الذي لا عذاب أعظم منه وأشد ، وهو حرمانهم عن رتبة الخلافة وخلودهم في نار القطيعة بأنواع الخذلان والخسران ، وبالجملة : بلغ يا أكمل الرسل جميع ما أنزل إلأيك على كافة البرية ، ولا تبال بإعراضهم وتكذيبهم . { إِنَّ إِلَيْنَآ } لا إلى غيرنا من الوسائل والأسباب العادية { إِيَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 ] ورجوعهم ، كما أن منَّا مبدأهم وصدورهم . { ثُمَّ } بعدما رجعوا إلينا صاغرين { إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } [ الغاشية : 26 ] على أعمالهم التي صدرت عنهم في نشأة الاختبار ، وبعدما حاسبناهم ، جزيناهم أحسن الجزاء إن كانوا من أصحاب اليمين ، وعذبناهم بأنواع العذاب والنكال إن كانوا من أصحاب الشمال . رب يسر حسابك علينا ، وقنا عذابك ، إنك أنت الرءوف الرحيم . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المتوجه نحو الحق ، الحقيق بالتوجه والرجوع أن ترجع إلى الله قبل حلول الأجل المقدر للقيامة الصغرى والكبرى ، وتفوض أمورك كلها إليه سبحانه بالإرادة والرضا ، وتنخلع عن لوازم ناستوك بالمرة . وبالجملة : عليك أن تتصف بالموت الإرادي قبل حلول الأجل الاضطراري الطبيعي ، حتى تكون عند ربك دائماً وفي كنف حفظه وجواره بلا انتظار منك إلى الطامة الكبرى والحساب والجزاء ، ولا يتيسر عليك هذا إلاَّ بتوفيق الله وجذب من جانبه ، فلك السعي والاجتهاد ، والله الملهم للرشاد والهادي إلى سبيل السداد .