Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 126-129)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ } من خباثة بواطنهم ورجاسة نفوسهم { يُفْتَنُونَ } يقتلون ويصابون { فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً } بلية { أَوْ مَرَّتَيْنِ } بليتين ؛ لتلين قلوبهم بها ، ويتنبهوا فيتوبوا { ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ } إلى الله من كفرهم ، ولا يرجعون نحوه بالإيمان ؛ ليقبل عنهم { وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } [ التوبة : 126 ] بها ؛ أي : يتذكرون ويتفطنون بها ، بل يصرون ويعاندون . { وَ } من جملة إصرارهم وعنادهم : إنهم { إِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } مفضحة لهم ، مفصحة بما عليهم من النفاق والشقاق ، ونقض العهود والميثاق { نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } يتغامزون بعيونهم ، ويقولون استهزاءً وتهكماً : { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } من هؤلاء المؤمنين { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } من عنده مريدين النفاق الشقاق بأضعاف ما كنوا عليه ؛ بسبب تفضيحهم بهذه السورة ، لذلك { صَرَفَ ٱللَّهُ } الهادي لعباده { قُلُوبَهُم } عن الإيمان وجادة التوحيد { بِأَنَّهُمْ } أي : بسبب أنهم { قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } [ التوبة : 127 ] أي : لا يفهمون لذة الإيمان ، ولا يتخلقون على نشأة التوحيد والعرفان ، مثل الموحدين . لذلك { لَقَدْ جَآءَكُمْ } أيها الأعراب { رَسُولٌ } بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة ، منتشئ { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } وجنسكم ، ومن غاية شفقته ومرحمته لكم { عَزِيزٌ } شاق شديد { عَلَيْهِ } صلى الله عليه وسلم { مَا عَنِتُّمْ } أي : عنتكم ولقاءكم المكروه ؛ إذ هي من أمارات الكفر والشرك ، وعدم الإطاعة والانقياد بأوامر الله ونواهيه ، مع أنه { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } أي : على إيمانكم وإسلامكم وإصلاح حالكم ؛ إذ هو { بِٱلْمُؤْمِنِينَ } الموقنين ، الموحدين ، المخلصين { رَءُوفٌ } عطوف ، مشفق { رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] يرحمهم ويرضى عنهم ؛ لخروجهم عن ظلمة الكفر بنور الإيمان . وكن في نفسك يا أكمل الرسل على الوجه المذكور { فَإِن تَوَلَّوْاْ } وأعرضوا ، وانصرفوا عنك وعن الإيمان بك وبدينك وكتابك { فَقُلْ } في نفسك ملتجئاً إلى ربك : { حَسْبِيَ ٱللَّهُ } الرقيب علي ، يكفيني مؤنة خصومتهم عني ؛ إذ { لاۤ إِلَـٰهَ } يُرجع إليه في الوقائع ، ويُلجأ نحوه في الخطوب { إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ } لا على غيره ؛ إذ لا غيره حق في الوجود { تَوَكَّلْتُ } فلا أرجو ولا أخاف إلا منه { وَ } كيف لا أتوكل عليه وأرجع إليه ؛ إذ { هُوَ } بذاته { رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } [ التوبة : 129 ] أي : مريبة ، والمستوي عليه بالاستقلال والإحاطة ، والاستيلاء التام ؛ إذ لا شيء في الوجود سواه ، وكل شيء هالك إلا وجهه . خاتمة السورة . عليك أيها الطالب المشمر لسلوك طريق الفناء ، كي تصل إلى فضاء البقاء - شكر الله سعيك وهداك إلى غاية مبتغاك - أن تقتفي في تشمرك هذا أثر من نبهك عليها وهداك إليها ، وهو الذي اختاره الله واصطفاه من بين خليقته ؛ لتكميل بريته ، وأظهره على صورته ، وخلقه بجميع أخلاقه ، لذلك اتخذه حبيباً وجعله على سائر الأنبياء إماماً ونقيباً . وتشبث بأذيال لطفه فعلاً وقولاً وشيمةً ، صارفاً عنان عزمك إلى سرائر جميع ما جاء به من عند ربه ؛ لإرشاد عباد الله ، وما سمح به من تلقاء نفسه - صلوات الله عليه وسلامه - من الرموز والإشارات التي استنبطها من كلامه ، وفاضت عليه بوحي الله وإلهامه ، لصفاية استعداده الذي صار به مرآة لتجليات الحق وشئونه وتطوراته ، وخليفة الله في أرضه وسمائه ، وما التقط من كلماته وإشاراته الأولياء الوارثون منه ، المقتفون أثره - قدس الله أرواحهم - وما ورد عليهم من تفاوت طبقاتهم في طريق التوحيد من المواجيد والملهمات الغيبية ، المنتشئة من النفحات الإلهية والنفسات الرحمانية الناشئة من التجليات الجمالية والجلالية ، المتفرعة على الشئون والتطورات الكمالية . وبالجلمة : لا بدذَ لك أن تفرغ هتمك عمَّا سوى الحق مطلقاً ، ولا يتيسر لك هذا إلا بمتابعة المحققين بمقام الكشف والشهود ، الواصلين إلى مقام المراقبة والمشاهدة ، والاستفادة منهم ومن ملتقطاتهم ووارداتهم حتى يمكن لك التمكن في مكمن الفناء ، والتقرب في مقر البقاء ، وحنيذٍ يصح لك أن تقول بلسان حالك ومقالك : حسبي الله ، لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم . جعلنا الله من عباده المفوضين ، المتوكلين الذين يتخذون الله وقايةً ووكيلاً ، ويجدونه ولياً وحسيباً .