Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ الشرح : 1 ] يا أكمل الرسل من اجتبينا ، واصطفينا للنيابة والرسالة ، ولم نفسح ونوسع خلدك لقول الآيات الواردة عليك منَّا ، والامتثال بالأحكام الموردة من لدنا ، مع كونك أمياً ، عارياً ، خالياً عنها وعمَّا يترتب عليها ؟ . وبعدما شرحنا لك صدرك لشعائر الإسلام ومعالم الدين ومراسم التوحيد اجتبيناك للرسالة والتبليغ إلى عموم الأنام { وَ } بعدما أمرناك بالرسالة { وَضَعْنَا } أي : أزلنا { عَنكَ وِزْرَكَ } [ الشرح : 2 ] أي : ثقلك الطارئ عليك من حِمل أعباء الرسالة وأداء التبليغ . { ٱلَّذِيۤ } من غاية شدته وثقله { أَنقَضَ } أي : قسم وكسر { ظَهْرَكَ } [ الشرح : 3 ] لأنك أمي ، ذاهل عن مطلق الأحكام ، مأمور بها ؛ لذلك ثقل وضاق عليك الأمر . { وَ } بعدما وفَّقناك على تبليغ الرسالة ، وأيدناك بالآيات الموردة المنزلة في موارد الأحكام { رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الشرح : 4 ] حيث قرنَّا اسمك باسمنا ، وخلَّفناك عنَّا واخترناك لخلافتنا ونيابتنا ؛ لذلك أنزلنا في شأنك : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] ، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وأيّ رفع وكرامة أعلى وأعظلم من ذلك ؟ ! وبعدما كرمناك بأمثال هذه الكرامات العلية لا تيأس من سعة روحنا ورحمتنا وإعانتنا وإغاثتنا ، ولا تحزن على أذى قومك واستهزائهم ، وتطاول معاداتهم وعنادهم معك { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ } الذي قد عرض عليك ولحق بك من قبلهم { يُسْراً } [ الشرح : 5 ] ناشئاً من قبل الحق ، مقابلاً واصلاً إليك من حيث لا تحتسب . ثمَّ كرر سبحانه تأكيداً { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ } الذي ألم بك الآن { يُسْراً } [ الشرح : 6 ] منَّا مترقباً كيفما اتفق . وفي تعريف العسر وأعادته معرفة وتنكير اليسر وإعادته نكرة أيضاً إشعار بقلة طرق العسر وأسبابه ، وكثرة طرق اليسر وموجباته . يعني : لا تيأس من العسر الطارئ عليك أحياناً معهودة معدودة عن يسر ملازم لك في أكثر الأوقات والأزمان ، مصاحب معك في جميع حالاتك . وبعدما أمرناك بتبليغ الرسالة وأرسلناك لنشرها ، فلك أن تمتثل بالمَّامور على مقتضى الوحي والإلهام { فَإِذَا فَرَغْتَ } عن الدعوة والتبليغ على مقتضى منصب النبوة والرسالة { فَٱنصَبْ } [ الشرح : 7 ] نفسك وأتعبها بالمجاهدات والرياضات القالعة لعرق لوازم الإمكان عن أصله على مقتضى رتبة الولاية . { وَ } بالجملة : { إِلَىٰ رَبِّكَ } لا إلى غيره من وسائل المظاهر وأسبابها { فَٱرْغَبْ } [ الشرح : 8 ] في خلواتك وصلواتك ، في عموم حالاتك ومقاماتك ، بلا روية الوسائل في البين ، والوسائط في العين . خاتمة السورة عليك أيها الطالب الراغب إلى الله ، القاصد للعكوف حول بابه أن تفرغ همَّك عن مطلق الأماني والآمال وعموم الأشغال المانعة عن الوصول إلى فنائه ، وترغب عن الدنيا وما فيها ، وتتوجه نحو الحق من طريق الفناء ، وتطرح لوازم الحياة المستعارة بالكلية حتى تصل إلى مرتبة الموت الإرادي المستلزم للبقاء الأبدي السرمدي . جعلناه الله من زمرة أرباب الرغبة إلى المولى وعن الدنيا ، بمنِّه وجوده .