Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-8)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } ألهى فعل ماضي رباعي ، والكاف مفعول مقدم ، { ٱلتَّكَّاثُرُ } فاعل مؤخر ، فالهمزة من بنية الكلمة تثبت ولو في الدرج ، والمعنى شغلكم التباهي بكثرة الأموال عن عبادة ربكم ، { ٱلتَّكَّاثُرُ } تفاعل كالتجاذب ، وهو يكون بين اثنين ، لأن أحد الشخصين المتفاخرين يقول لصاحبه : { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } [ الكهف : 34 ] وأل في التكاثر للعهد ، وهو التكاثر في الدنيا ، ولذاتها وعلائقها المشغل عن حقوق الله تعالى . قوله : ( عن طاعة الله ) هي شاملة للواجبة والمندوبة . قوله : ( والرجال ) أي الانتساب إليهم كالأقرباء والأحباب . قوله : { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } حتى غاية للإلهاء المذكور ، وهذا هو محط الذم وإلا فإن تاب من ذلك قبل موته ، وقيل : وكأنه لم يحصل منه تكاثر . قوله : ( بأن متم فدفنتم فيها ) أي فيقال : زار قبره إذا مات ودفن ، والمعنى : ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم ، حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك ، ولا يقال : إن الزيارة تكون ساعة وتنقضي ، والميت يمكث في قبره لأنا نقول : إن الموتى يرتحلون من القبور للحساب ، فكان مدة مكثه في قبره زيارة له ، والمقابر جمع مقبرة بتثليث الباء ، وهي المحل الذي تدفن فيه الأموات ، قوله : ( أو عددتم الموتى ) تفسير ثاني للزيارة ، فعبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكماً بهم ، وعليه فزيارة المقابر كناية عن الانتقال من ذكر الإحياء إلى ذكر الأموات تفاخراً ، وإنما كان تهكماً لأن زيارة القبور شرعت ، لتذكر الموت ورفض حب الدنيا ، وترك المباهاة والتفاخر ، وهؤلاء عكسوا ، حيث جعلوا زيارة القبور سبباً لمزيد القساوة ، والاستغراق في حب الدنيا ، والتفاخر في الكثرة . فحاصل الوجهين راجع إلى أن المراد بالزيارة ، إما الانتقال إلى الموت ، أو الانتقال من ذكر الأحياء إلى ذكر الأموات ، وتعدادهم والتفاخر بهم ، ومن ذلك ما يفعله أهل زماننا ، ومن زخرفة النعوش والقبور ، وما يتبع ذلك مما هو مذموم شرعاً طبعاً ، وأما ذكر مكارم الأخلاق والطاعات فيجوز ، إن لم يكن على وجه التعجب ، بل على سبيل التحدث بالنعم أو ليقتدي به . قوله : ( ردع ) مشى المفسر على أن كلا الأولى والثانية حرف ردع ، والثانية بمعنى حقاً ، ومشى غيره على التسوية بين الثلاثة ، فهي إما للردع أو بمعنى حقاً ، وقيل : إنها في الثلاثة بمعنى ألا الاستفتاحية . قوله : ( عند النزع ثم في القبر ) لف ونشر مرتب فقوله : ( عند النزع ) راجع لقوله : { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } الأول ، وقوله : ( ثم في القبر ) راجع للثاني ، و { ثُمَّ } على بابها من المهلة ، وهذا قول علي بن أبي طالب ، والحكمة في حذف متعلق العلم من الأفعال الثلاثة ، أن الغرض هو الفعل لا متعلقة ، والعلم بمعنى المعرفة ، فيتعدى لمفعول واحد أشار له المفسر بقوله : ( سوء عاقبة تفاخركم ) . قوله : ( أي علماً يقيناً ) أشار بذلك إلى أن إضافة العلم إلى { ٱلْيَقِينِ } من إضافة الموصوف إلى صفته ، والمعنى : لو تعلمون ما بين أيديكم علماً يقيناً ما شغلكم التكاثر عن طاعة الله تعالى . قوله : ( عاقبة تفاخركم ) بيان لمفعول العلم ، وقوله : ( ما اشتغلتم به ) جواب لو . قوله : ( جواب قسم محذوف ) أي ولا يصح أن يكون جواباً للو ، لأنه محقق الوقوع ، فلا يصح تعليقه ، والرؤية هنا بصرية تتعدى إلى مفعول واحد . قوله : ( وحذف منه لام الفعل ) أي وهي الياء ، وقوله وعينه أي وهو الهمزة ، لأن أصله ترءيون بوزن تفعلون ، نقلت حركة الهمزة للراء قبلها ، فسقطت الهمزة وتحركت الياء ، وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً فالتقى ساكنان ، حذفت الألف لالتقاء الساكنين ، ثم دخلت نون التوكيد الثقيلة ، فحذفت نوع الرفع لتوالي الأمثال ، وحركت الواو بالضمة لاتلقاء السكانين ، ولم تحذف لعدم الدليل الذي يدل عليها . قوله : ( تأكيد ) هذا أحد قولين ، والآخر أن الأول هو رؤية اللهب ، والثاني وهو رؤية ذاتها ، وما فيها من أنواع العذاب . قوله : { عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } صفة لمصدر محذوف ، أي لترونها راية هي عين اليقين ، ووصفت هي سبب اليقين ، بكونها نفس اليقين مبالغة ، والفرق بين علم اليقين وعين اليقين ، أن علم اليقين هو إدراك الشيء من غير مشاهدة ، وعين اليقين الرؤية التي هي العلم به مع المشاهدة ، وأما حق اليقين فهو المشاهدة مع الملاصقة والممازجة ، وقد أخبر الله هنا بالأولين ، وأخبر بالثالث في سورة الواقعة حيث قال : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ الواقعة : 92 ] الآية . قوله : { لَتُسْأَلُنَّ } الأظهر أن الخطاب للكفار ، لأنهم هم المشتغلون بالدنيا والتفاخر بلذاتها عن طاعة الله تعالى ، وقيل : هو عام في حق المؤمن والكافر ، فعن أنس أنه قال : لما نزلت الآية قام رجل أعرابي محتاج فقال : هل علي من النعم شيء ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الظل والنعلان والماء البارد " والأولى أن يقال : السؤال يعم المؤمن والكافر ، لكن سؤال الكافر توبيخ وتقريع لتركه الشكر ، وسؤال المؤمن تشريف وإظهار لفضله ، وتبشير بأن يجمع له بين نعم الدنيا والآخرة ، وثم على بابها من الترتيب المعنوي ، لأنهم يرون النار في الموقف تحدق بهم ، ثم يذهبون للحساب فيسألون . قوله : ( حذفت منه نون الرفع ) أي فأصله تسألونن ، حذفت نون الرفع لتوالي النونات ، فالتقى ساكنان ، حذفت الواو لالتقائهما ، وبقيت الضمة دليلاً عليها . قوله : { عَنِ ٱلنَّعِيمِ } أي عن جميع أفراده وأنواعه ، فأل للاستغراق . قوله : ( وغير ذلك ) أي كظلال المساكن والأشجار والأخبية التي تقي من الحر والبرد ، والماء البارد ، وكحل العين ، ولبس الإنسان ثوب أخيه ، وشبع البطن ، ولذة النوم ، والعافية ، ونحو ذلك مما لا يصحى عدداً . روى الحاكم والبيهقي : " ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم ؟ قالوا : ومن يستطيع أن قرأ ألف آية ، قال : أما يستطيع أحدكم أن يقرأ { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } ؟ " .