Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-9)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : ( كلمة عذاب ) أي كلمة يطلب بها العذاب ويدعى بها ، على هذا فتكون الجملة إنشائية ، سوغ الابتداء بها مع كونها نكرة ، قصد الدعاء عليهم بالهلكة . إن قلت : كيف يدعو الله بذلك ، مع أنه هو المنشئ للأفعال كلها ؟ أجيب : بأنه طلب من نفسه إلحاق الويل لهم إظهاراً لآثار غضبه ، كما يفعل الغضبان بمن غضب عليه ، وتقدم ذلك . قوله : ( أو واد في جهنم ) أو لتنويع الخلاف ، وعلى هذا فالجملة خبرية ، ويكون { ويْلٌ } حينئذ معرفة لكونه علماً . قوله : { لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } الهمز في الأصل الكسر ، واللمز الطعن الحسيَّان ، ثم خصا بالكسر لأعراض الناس والطعن فيهم ، والتاء فيهما للمبالغة في الوصف ، واطرد بناء فعلة بضم الفاء وفتح العين لمبالغة الفاعل ، أي المكثر من الفعل ، وإذا سكنت العين يكون المبالغة المفعول ، يقال : رجل لعنة بفتح العين لمن كان يكثر لعن غيره ، ولعنة بسكون العين إذا كان ملعوناً للناس ، والهمز كاللمز وزناً ومعنى ، وبابه ضرب . قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون العيب للبريء ، وقال صلى الله عليه وسلم : " شر عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب " . وعلى هذا القول فاللمزة تأكيد للهمزة ، من باب التأكيد بالمرادف ، كقولهم : حسن بسن ، وعفريت نفريت ، وقيل : إن معناهما مختلف ، فقال مقاتل : الهمزة الذي يعيبك في الغيب ، واللمزة الذي يعيبك في الوجه ، وقيل : بالعكس . وقيل : الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقيل : الهمز باللسان واللمز بالعين ، وقيل الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يكسر عينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبيه ، وهذه الأقوال كلها ترجع إلى الطعن وإظهار العيب ، فيدخل في ذلك من يحاكي الناس في أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه . قوله : ( وغيرهما ) أي كلأخنس بن شريق ، والعاص بن وائل السهمي ، وجميل بن معمر ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهذا وعيد لمن يغتاب المسلمين ، ولا سيما العلماء والصلحاء ، ولكن يقال : هو مخلد في النار إن مات كافراً ، وإلا فهو تحت المشيئة . قوله : { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } بدل من كل . قوله : ( بالتخفيف والتشديد ) أي فهما سبعيتان ، فقراءة التشديد تفيد التفاني والمبالغة ، وفي الجمع بخلاف قراءة التخفيف ، ونكر { مَالاً } للتعظيم . قوله : { وَعَدَّدَهُ } العامة على تشديد الدال الأولى ، وقرئ شذوذاً بتخفيفها ، والضمير إما عائد على المال والتقدير وجمع عدده أي أحصاه وعلمه ، أو عائد على نفسه والمعنى جمع مالاً وجمع عدد نفسه من عشيرته وأقاربه ، وعلى هذين الوجهين فـ { عَدَّدَهُ } اسم معطوف على { مَالاً } ، ويحتمل أن { عَدَّدَ } فعل ماض بمعنى عده ، إلا انه غير مدغم . قوله : ( وجعله عدة ) الواو بمعنى أو ، لأنهما تفسيران ، فعلى الأول مأخوذ من العد ، وعلى الثاني من العدة ، بمعنى الاستعداد والإدخار لحوادث الزمن . قوله : { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ } الخ ، إما مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل : ما باله يجمع المال ويتهم به ، أو حال من فاعل جمع . قوله : { أَخْلَدَهُ } هو ماض معناه المضارع ، أي يظن لجهله أن ماله يوصله إلى رتبة الخلود في الدنيا ، فيصير خالداً فيها ولا يموت ، أو يعمل من تشييد البنيان وغرس الأشجار وعمارة الأرض ، عمل من يظن أن ماله أبقاه حياً . قوله : ( ردع ) أي عن حسبانه المذكور ، فالمعنى ليس الأمر كما يظن أن المال أخلده ، وقيل : إن كلا بمعنى حقاً . قوله : ( التي تحطم ) أي تكسر ، ففي { ٱلْحُطَمَةِ } مماثلة لعمله لفظاً ومعنى ، لأنها بوزن { هُمَزَةٍ } و { لُّمَزَةٍ } . قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ } استفهام إنكاري بمعنى النفي ، أي لم تعلم قدر هو لها وعظمه إلا بوحي من ربك . قوله : { نَارُ ٱللَّهِ } الإضافة للتفخيم والتعظيم . قوله : ( المعسرة ) بالتخفيف والتشديد ، أي المهيجة الشديدة اللهب التي لا تخمد أبداً . قوله : { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } أي تغشاها وتحيط بها ، وخص الأفئدة بالذكر ، لكونها ألطف ما في الجسد وأشده تألماً بأدنى عذاب ، أو لأنها محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة ، فهي منشأ الأعمال السيئة . قوله : ( وألمها ) أي القلوب . والمعنى : تألمها أشد من تألم غيرها من بقية البدن ، ومن المعلوم أن الألم إذ وصل إ لى الفؤاد مات صاحبه ، فهم في حال من يموت وهم لا يموتون ، قال تعالى : { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [ طه : 74 ] قال محمد بن كعب : تأكل النار جميع ما في أجسادهم ، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد خلقوا خلقاً جديداً ، فترجع تأكلهم وهكذا . قوله : ( بالهمز وبالواو ) أي فهما سبعيتان ، وقرئ شذوذاً بضم فسكون ، وهو تخفيف للقراءة الأولى ، فعلى الضم يكون جمع عمود كرسول ورسل ، وقيل : هو جمع عماد ككتاب وكتب ، وعلى الفتح يكون اسم ( جمع ) لعمود ، وقيل : هو جمع له ، و { فِي } بمعنى الباء ، أي مؤصدة بعمد ممدودة ، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن الله يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار ، ومسامير من نار ، وعمد من نار ، فتطبق عليهم بتلك الأطباق ، وتشد بتلك المسامير ، وتمد بتلك العمد ، فلا يقى فيها خلل يدخل فيه روح ، ولا يخرج منه غم ، وينسؤهم الرحمن على عرشه ، أي يحجبهم عن رحمته ، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ولا يستغيثون بعدما ، وينقطع الكلام ، فيكون كلامهم زفيراً وشيهقاً ، فذلك قوله تعالى : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } " . وقيل : إن النار داخل العمد ، وهم داخلة ويطبق عليهم ، وعليه درج ا لمفسر ، وقيل : المعنى يعذبون بعمد ، وقيل : العمد الأغلال في أعناقهم ، وقيل : القيود في أرجلهم ، وقيل : معنى عمد ممدودة دهر مؤبد لا آخر له .