Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 105, Ayat: 1-5)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَلَمْ تَرَ } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرؤية علمية لا بصرية ، لأنه لم يكن وقت الواقعة موجوداً . قوله : ( استفهام تعجيب ) أي وتقرير ، والمعنى : اقرأ بأنك علمت قصة الفيل ، وحذفت الألف من { تَرَ } للجازم . قوله : { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ } { كَيْفَ } معلقة للرؤية ، منصوبة على المصدرية بالفعل بعدها ، و { رَبُّكَ } فاعل ، والتقدير : أي فعل فعله ، والجملة سدت مسد مفعولي { تَرَ } ولا يصح نصبها على الحال من الفاعل ، لأنه يلزم وصفه تعالى بالكيفية وهو غير جائز . قوله : ( هو محمود ) أي وهو الذي برك وضربوه في رأسه ، وكان معه أثنا عشر فيلاً ، وقيل ثمانية عشر ، وقيل ألف ، وأفرد الفيل إما موافقة لرؤوس الآي ، أو لكونه نسبهم إلى الفيل الأعظم الذي يقال له ( محمود ) . قوله : ( أبرهة ) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الراء ، واسمه الأشرم ، سمي بذلك لأن أباه ضربه بحربة فشرم أنفه وجبينه ، وكان نصرانياً . قوله : ( ملك اليمن ) بدل من ( أبرهة ) وكان من قبل النجاشي ملك الحبشة ، وكان جيش أبرهة ستين ألفاً . وقوله : ( وجيشه ) معطوف على ( أبرهة ) . قوله : ( بنى بصنعاء كنيسة ) الخ ، شروع في بيان قصة أصحاب الفيل . وحاصل تفصيلها على ما ذكره محمد بن إسحاق ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، عن ابن عباس : أن النجاشي ملك الحبشة وهو أصحمة ، جد النجاشي الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، كان بعث أبرهة أميراً على اليمن فأقام به ، واستقامت له الكلمة هناك ، ثم إنه رأى الناس يتجهزون أيام الموسم ، إلى مكة لحج بيت الله عز وجل ، فحسد العرب على ذلك ، ثم بنى كنيسة بصنعاء وكتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها ، ولست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب ، فسمع به مالك بن كنانة ، فخرج لها ليلاً فدخل إليها فقعد فيها ولطخ بالعذرة قبتها ، فبلغ ذلك أبرهة فقال : من اجترأ علي ؟ فقيل له : صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت قد سمع بالذي قلت ، فحلف أبرهة عند ذلك ، ليسيرن إلى الكعبة ثم يهدمها ، فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ، وسأله أن يبعث إليه بفيله ، وكان فيلاً يقا له محمود ، وكان فيلاً لم ير مثله عظماً وجسماً وقوة ، فبعث به إليه ، فخرج أبرهة من الحبشة سائراً إلى مكة ، وخرج معه بالفيل ، فسمعت العرب بذلك ، فعظموه ورأوا جهاده حقاً عليهم ، فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه ، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ ذا نفر فقال لأبرهة : يا أيها الملك استبقني فإن بقائي خير لك من قتلي ، فاستحياه وأوثقه ، وكان أبرهة ، رجلاً حليماً ، ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم ، وخرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم ومن اجتمع من قبائل اليمن ، فهزمهم وأخذ نفيلاً فقال نفيل : أيها الملك إني دليل بأرض العرب ، فاستبقاه وخرج معه يدله ، إذ مر بالطائف خرج إليه مسعود بن مغيث في رجل من ثقيف فقال : أيها الملك نحن عبيدك ليس عندنا خلاف لك ، إنما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه ، فعبثوا معه أبا رغال مولى لهم ، فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره الآن ، وبعث أبرهة رجلاً من الحبشة يقال له الأسود بن مسعود مقدمة خيله ، وأمره بالغارة على نعم الناس ، فجمع الأسود إليه أموال أصحاب الحرم ، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير ، ثم إن أبرهة أرسل حناطة الحميري إلى أهل مكة ، وقال : له سل عن شريفها ثم أبلغه ما أرسلك به إليه ، أخبره أني لم آت لقتال ، إنما جئت لأهدم هذا البيت ، فانطلق حتى دخل مكة ، فلقي عبد المطلب فقال له : إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأتل لقتال إلا أن تقاتلوه ، وإنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم ، فقال عبد المطلب : ما له عندنا قتال ، ولا لنا يدان ندفعه عما جاء له ، فإن هذا بيت الله الحرام وبيت إبراهيم خليله عليه السلام ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن يحل بينه وبين ذلك ، فوالله ما لنا ندفعه قوة ، قال : فانطلق معي إليه ، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بلغة كان عليها ، وركب معه بعض بنيه حتى قدم العسكر ، وكان ذو نفر صديقاً لعبد المطلب فقال : يا ذا نفر هل عندك من غناء أي نفع فيما نزل بنا ؟ قال : أنا رجل أسير ، لا آمن أن أقتل بكرة أو عيشة ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق ، فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ، ويعظم حظوتك ومنزلتك عنده ، قال : فأرسل إلى أنيس فأتاه فقال : إن هذا سيد قريش وصاحب عير مكة ، يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رؤوس الجبال ، وقد أصاب الملك له مائتي بعير ، فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه ، فإنه صديق لي أحب ما وصل إليه من الخير ، فدخل أنيس على أبرهة فقال : أيها الملك هذا سيد قريش وصاحب عير مكة ، الذي يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رؤوس الجبال ، يستأذن عليك ، وأنا أحب أن تأذن لي فيكلمك ؛ فقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك ، فأذن له ، وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً ، فلما رآه أبرهة عظمه وأكرمه عن أن يجلس تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلس عبد المطلب بجنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له ما حاجتك إلى الملك ؟ فقال له الترجمان ذلك ، فقال عبد المطلب حاجتي إلى الملك أن يرد ليّ مائتي بعير أصابها ، فقال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ولقد زهدت الآن فيك ، قال : لم ؟ قال : جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك ، وهو شرفكم وعصمتكم لأهدمه ، لم تكلمني فيه ، وتكلمني في ما ئتي بعير غصبتها لك ، قال عبد المطلب : أنا رب هذه الإبل ، ولهذا البيت رب سيمنعه منك ، قال : ما كان ليمنعه مني ، قال : فأنت وذاك ، فأمر بإبله فردت عليه ، فلما ردت الإبل على عبد المطلب خرج ، فأخبر قريشاً الخبر ، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ، ويتحرزوا في رؤوس الجبال خوفاً عليهم من معرة الجيش ففعلوا ، وأتى عبد المطلب وأخذ حلقة الباب وجعل يدعو ، فلما فرغ من دعائه ، توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول ، وهيأ جيشه وهيأ فيله ، وكان فيلاً لم ير مثله في العظم والقوة ، ويقال : كانت الأفيال اثني عشر فيلاً ، فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه وقال له : ابرك محموداً ، وارجع رشيداً ، فإنك ببلد الله الحرام فبرك ، فبعثوه فأبى ، فضربوه بالمعول في رأسه ، فادخل محاجنه تحت مراقه ومرافقه ففزعوه ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول ، ووجهوه إلى قدامه ففعل مثل ذلك ، ووجوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم ، وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل ، وأرسل الله عز وجل طيراً من البحر أمثال الخطاطيف ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار ، حجران في رجليه وحجر في منقاره ، أكبر من العدسة وأقل من الحمصة ، فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم ، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك ، وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاؤوا منه ، وصرخ القوم ، وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل ، وبعث الله على أبرهة داء في جسده ، فجعل تتساقط أنامله ، كلما سقطت أنملة أتبعها مدة من قيح ودم ، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك ، وانفلت وزير أبرهة أبو يكسوم ، وطائره فوق رأسه ، حتى وقف بين يدي النجاشي ، فلما أخبره الخبر سقط عليه الحجر فمات بين يديه ، وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا ، وأما الفيلة الأخر فشجعوا فرموا بالحصباء . قوله : ( كنيسة ) أي وكان قد بناها بالرخام الأبيض والأحمر والأسود والأصفر ، وحلاها بالذهب والفضة وأنواع الجواهر ، وأذل أهل اليمن في بنائها ، ونقل فيها الرخام المجزع ، والحجارة المنقوشة بالذهب والفضة من قصر بلقيس ، وكان على فرسخ من موضعها ، ونصب فيها صلباناً من ذهب وفضة ، ومنابر من عاج وآبنوس وغير ذلك ، وكان بناؤها مرتفعاً عالياً ، تسقط قلنسوة الناظر عن رأسه عند نظره إليها . قوله : ( ليصرف إليها الحجاج ) أي وقد صرفهم بالفعل ، وأمرهم بحجها فحجوها سنين ، وكانوا يحجون البيت في هذه المدة أيضاً ، كذا قيل : قوله : ( فأحدث رجل ) أي من العرب وهو مالك بن كنانة . قوله : ( أرسل الله عليهم ) الخ ، أي فرجعوا هاربين يتساقطون بكل طريق ، وكان هلاكهم قرب عرفة ، قبل دخول أرض الحرم على الصحيح ، وقيل : بوادي محسر بين مزدلفة ومنى ، وأصيب أبرهة في جسده بداء الجدري ، ، فتساقطت أنامله وأصابعه وأعضاؤه ، وسال منه الصديد والقيح والدم ، وما مات حتى انشق قلبه . قوله : { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ } أي مكرهم ، وسماه كيداً لأن سببه حسد سكان الحرم ، وقصد صرف شرفهم له وهو خفي ، فسمي كيداً لذلك . قوله : ( أي جعل ) أشار بذلك إلى أن المضارع لحكاية الحال الماضية . قوله : { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ } عطف على قوله : { يَجْعَلْ } والاستفهام مسلط عليه ، فالمعنى قد جعل وأرسل . قوله : { طَيْراً } الطير اسم جنس يذكر يؤنث . قوله : { أَبَابِيلَ } أي وكانت من جهة السماء ، ولم ير قبلها ولا بعدها مثلها ، ورد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنها طير بين السماء والأرض تعشش وتفرخ " . قال ابن عباس : كان لهم خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب . وقال عكرمة : كانت طيراً خضراً خرجت من البحر ، لها رؤوس كرؤوس السباع ، ولم تر قبل ذلك ولا بعده . وقالت : إنها أشبه شيء بالخطاطيف ، وقيل : بل كانت أشياء الوطاويط حمراً وسوداً . قوله : ( جماعات جماعات ) أي بعضها إثر بعض . قوله : ( قيل لا واحد له ) أي من لفظه ، يكون اسم جمع . قوله : ( أبول ) بكسر الهمزة وفتح الموحدة المشددة وسكون الواو كسنور . قوله : ( طين مطبوخ ) أي محرق كالآجر ، وكان طبخه بنار جهنم ، وهي من الحجارة التي أرسلت على قوم لوط ، وناسب إهلاكهم بالحجارة ، لأنهم أرادوا هدم الكعبة . قال ابن عباس : كان الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده ، وكان ذلك أول الجدري ، ولم يكن موجوداً قبل ذلك اليوم ، وعنه أيضاً : أنه رأى من تلك الحجارة عند أم هانئ نحو قفيز مخططة بحمرة كالجزع الظفاري . قوله : { كَعَصْفٍ } واحده عصفة وعصافة وعصيفة . قوله : ( وداسته ) صوابه وراثته أي ألقته روثاً ثم يبس وتفتت ، ولم يقل فجعلهم كروث استهجاناً للفظ الروث . قوله : ( مكتوب عليه اسمه ) أي وإدراك الطائر أن هذا لفلان بخصوصه ، إما بمجرد إلهام أو بمعرفته ذلك من الكتابة ، والله أعلم بحقيقة الحال . قوله : ( يخرق البيضة ) أي التي فوق رأس الرجل من حديد ، وقوله : ( والرجل ) أي فيدخل من دماغه ويخرج من دبره ، وقوله : ( والفيل ) أي الذي هو راكبه ، وجميع الفيلة قد هلكت إلا كبيرها وهو محمود ، فإنه نجا لما وقع منه الفعل الجميل الذي لم يقع مثله من العقلاء ، ولذا قال البوصيري : @ كم رأينا ما ليس يعقل قد ألـ ـهـم ما ليس يلهم العقلاء إذا أبى الفيل ما أتى صاحب الفيـ ـل ولم ينفع الحجا والذكاء @@ قوله : ( عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم ) أي قبل مولده بخمسين يوماً على الصحيح ، وذلك ببركة النور المحمدي . إن قلت : إنه انتقل من عبد المطلب بل ومن عبد الله إلى أمه آمنة . أجيب بأنه وإن انتقل من جده وأبيه ، إلا أن يتركه حاصلة وباقية في محله ، كوعاء المسك إ ذا فرغ منه فإن رائحته تبقى ، وقيل : كان عام الفيل قبل ولادته صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، وقيل : بثلاث وعشرين ، وقيل : غير ذلك .