Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ } أي إن بجلالنا وعظمة قدسنا ، فالإيتان بإن ونون العظمة للتأكيد ولزيادة تشريفه صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : قضينا به لك ، وخصصناك به وأنجزناه لك في علمنا وتقديرنا الأزلي ، وإن لم تستول عليه وتتصرف فيه إلا في القيامة ، فالعطاء ناجز ، والتمكن والاستيلاء مستقبل . إن قلت : إنه عبر هنا بالماضي ، وفي الضحى بالمضارع حيث قال : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ } [ الضحى : 5 ] فكيف الجمع بينها ؟ أجيب : بأن ما في الضحى باعتبار التمكن والاستيلاء ، وذلك يحصل في المستقبل في يوم القيامة ، وما هنا باعتبار التقدير الأزلي . قوله : { ٱلْكَوْثَرَ } فوعل من الكثرة ، وصف مبالغة في المبالغ في الكثرة . قوله : ( هو نهر في الجنة ) ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من الذهب ، مجراه من الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج " . قوله : ( هو حوضه ) الصواب أن يقول : أو هو حوضه ، لأنهما قولان مذكوران في التفاسير من جملة ستة عشر قولاً ، ويدل لهذا الثاني قول أنس : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسماً ؛ فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ثم قال : أتدرون ما الكوثر . قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء ، فيختلج العبد منهم فأقول : يا رب أنه من أمتي ، فيقول : ما تدري ما أحدث بعدك " . وورد في صفة الحوض أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : " حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منه لم يضمأ أبداً " زاد في رواية : " وزواياه سواء " . ومنها غير ذلك . الثالث : أنه النبوة . الرابع : القرآن . الخامس : الإسلام . السادس : تيسير القرآن وتخفيف الشريعة . السابع : كثيرة الأصحاب والأمة والأتباع . الثامن : رفعة الذكر . التاسع : نور في قلبك دلك علي وقطعك عما سواي . العاشر : الشفاعة . الحادي عشر : المعجزات . الثاني عشر : لا إله إلا الله محمد رسول الله . الثالث عشر : الفقه في الدين . الرابعة عشر : الصلوات الخمس . الخامس عشر : العظيم من الأمر . السادس عشر : الخير الكثير الدنيوي والأخروي . ولك من هذه الأقوال تحقق به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوق ذلك مما يعلم غايته إلا الله تعالى . وزاد بعضهم فوق تلك الأقوال : إنه الذرية الكثيرة المباركة ، وقد حقق الله ذلك ، فلا تجد ذرية لأحد من الخلق مثل ذرية المصطفى صلى الله عليه وسلم في الكثرة ولا في البركة إلى يوم القيامة ، اختلف في الحوض ، هل هو بعد الصراط أو قبله . وهل هو بعد الميزان أو قبله . والصحيح أنه قبلهما ، لأن الناس يخرجون من قبورهم عطاشاً ، فيشربون منه شربة لا يظمؤون بعدها أبداً . روي عن ابن عباس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين ، هل فيه ماء . قال : " أي والذي نفسي بيده ، إن فيه لماء ، وإن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ، ويبعث الله تعالى سبعين ألف مالك بأيديهم عصي من نار ، يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " وهذا الطرد لا يكون بعد الصراط ، لأنه لا يسلم من الصراط إلا المؤمنين ، فلا وجود للكافر هناك حتى يذادوا لسقوطهم في جهنم قبل ذلك . قوله : ( ونحوها ) أي من الحكمة وكثرة الأتباع والأمة وغير ذلك . قوله : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ } كان مقتضى الظاهر أن يقول : فصل لنا ، فانتقل إلى الاسم الظاهر ، لأنه لا يوجب عظمة ومهابة . قوله : ( صلاة عيد النحر ) هو قول عكرمة وعطاء وقتادة ، وهو يؤيد كون السورة مدنية ، وقال سعيد بن جبير ومجاهد : فصل الصلاة المفروضة بجمع مزدلفة ، وانحر البدن بمنى ، وقيل : هو أمر بكل صلاة مفروضة أن نافلة ، وهو يؤكد كونها مكية . قوله : { وَٱنْحَرْ } أي هداياك وضحاياك ، وهو في الإبل بمنزلة الذبح في البقر والغنم ، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم نحر من خالص ماله في حجة الوداع صبيحة منى مائة بدنة ، سبعين بيده الكريمة ، وثلاثين بيد علي رضي الله عنه ، وخص الصلاة والنحر بالذكر . لأن الصلاة مجمع العبادات وعماد الدين ، والنحر فيه إطعام الطعام ، ولا شك أنه قيام بحقوق العباد ، ففي تلكما الخصلتين القيام بحقوق الله وحقوق عباده . قوله : { إِنَّ شَانِئَكَ } اسم فاعل شنئ من بابي سمع ومنع ، شنأ بفتح النون وسكونها . قوله : { هُوَ ٱلأَبْتَرُ } يصح أن يكون هو مبتدأ ، و { ٱلأَبْتَرُ } خبره ، والجملة خبر { إِنَّ } ويصح أن يكون ضمير فصل ، و { ٱلأَبْتَرُ } خبر { إِنَّ } و { ٱلأَبْتَرُ } في الأصل ، الشيء المقطوع من بتره قطعه ، وحمار أبتر لا ذنب له . قوله : ( أو المنقطع العقب ) أي النسل . قوله : ( سمى النبي صلى الله عليه وسلم أبتر ) أي حيث قال : بتر محمد ، فليس له من يقوم بأمره من بعده ، فلما قال تلك المقالة ، نزلت السورة تسلية وتبشيراً له صلى الله عليه وسلم . قوله : ( عند موت ابنه القاسم ) هو أول أولاده صلى الله عليه وسلم عاش سنتين وقيل سبعة عشر شهراً ، وقيل : بلغ ركوب الدابة ، ومات قبل البعثة وقيل بعدها ، وهو أول من مات من أولاده وهم سبعة : القاسم وعبد الله الملقب بالطيب والطاهر وإبراهيم وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم ، وكلهم من خديجة ، إلا إبراهيم فمن مارية القبطية ، وماتوا جميعاً في حياته ، إلا فاطمة فعاشت بعده زمناً يسيراً وماتت رضوان الله عليهم أجمعين ، وذريته صلى الله عليه وسلم الباقية إلى يوم القيامة من نسلها .