Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 110, Ayat: 1-3)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } المجيء في الأصل اسم للموجود الغائب إذا حضر ، والمراد حصل وتحقق ، ففيه استعارة تبعية ، حيث شبه حصول النصر عند حضور وقته بالمجيء ، ثم اشتق منه لفظ جاء بمعنى حصل ، وعبر بالمجيء إشعاراً بأن الأمور متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها ، وأن ما قدر الله حصوله فهو كالحاصل ، كأنه موجود حضر من غيبته ، { إِذَا } ظرف لما يستقبل من الزمان ، منصوب بسبح الواقع جوابها ، وهي على بابها إن كانت السورة نزلت قبل الفتح ، فإن كان النزول بعد الفتح فـ { إِذَا } بمعنى إذ ، متعلقة بمحذوف تقديره أكمل الله الأمر ، وأتم النعمة على العباد ، إذا جاء نصر الله ، { نَصْرُ ٱللَّهِ } مضاف لفاعله ، ومفعوله محذوف قدره المفسر بقوله : ( نبيه ) . قوله : { وَٱلْفَتْحُ } أل فيه عوض عن المضاف إليه عند الكوفيين ، أي وفتحه ، أو العائد محذوف عند البصريين ، أي والفتح منه ، وعطفه على النصر عطف خاص على عام . قوله : ( فتح مكة ) أي التي حصل به أعظم فتوح الإسلام ، وأعز الله به دينه ورسوله وجنده وحرمه ولتبشر به أهل السماء ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وسببها : " أنه وقع الصلح بالحديبية ، على أنه صلى الله عليه وسلم لا يتعرض لمن دخل في عقد قريش ، وأنهم لا يتعرضون لمن دخل في عقده ، وكان ممن دخل في عقده خزاعة ، وفي عقدهم بنو بكر ، وكانا متعاديين ، فخرج بعض بني بكر وبني خزاعة فاقتتلوا ، فأمدت قريش بني بكر ، فخرج أربعون من خزاعة إليه صلى الله عليه وسلم يخبرونه ويستنصرونه ، فقام وهو يجر رداءه ويقول : لا نصرت إن لم أنصركم بما أنصر به نفسي ، ولما أحس أبو سفيان جاء إلى المدينة ليجدد العهد ويزيد في المدة ، فأبى صلى الله عليه وسلم فرجع ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، وأعلم الناس أنه سائر إلى مكة وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها ، فتجهز الناس ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم عامداً إلى مكة لعشر مضين في رمضان ، وقيل : لليلتين مضتا منه سنة ثمان من الهجرة ، فصام رسول الله والناس معه ، حتى إذا كان بالكديد أفطر ، عقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل ، ثم مضى حتى نزل مر الظهران المسمى الآن بوادي فاطمة في عشرة آلاف ، وقيل : أثني عشر ألفاً من المسلمين ، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد ، فلما نزل به أمرهم أن يوقدوا عشرة آلاف نار كل نار على حدة ، فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار ، وكان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مهاجراً بعياله ، فلما رأى ذلك الأمر قال : والله لئن دخل رسول الله مكة عنوة قبل أن يستأمنوه ، لهلكت قريش إلى آخر الدهر ، قال العباس : فركبت بغلة رسول الله البيضاء ، وخرجت لأجد حطاباً أو ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله ، ليخرجوا إليه فيستأمنوه ، قبل أن يدخلهم عليهم عنوة ، وإذا أنا بأبي سفيان فعرفت صوته فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي فقال : أبو الفضل ؟ فقلت : نعم ، قال : مالك فداك أبي وأمي ، قلت : ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، بعشرة آلاف من المسلمين ، قال : وما الحيلة ، قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله فأستأمنه لك ، فأردفته ورجع حاصباه ، فخرجت أركض به بغلة رسول الله ، كلما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا وقالوا : عم رسول الله صلى الله عليه سلم على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال : من هذا ؟ وقام إلي ، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال : يا أبا سفيان عدو الله ، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله ، وركضت البغلة فسبقته ؛ فلما وصلت النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه ودخل عليه عمر فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله ، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه ، قال : فقلت : يا رسول الله إني قد أجرته ، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به ، قال : فذهبت به إلى رحلي فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله ، فلما رآه قال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ، قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، فما زال به حتى أسلم ، قال العباس : يا رسول الله إن إبا سفيان رجل الفخر ، فاجعل له شيئاً ، قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه عليه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهوآمن ، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه سلم : أحبسه بمضيق الوادي حتى تمر به جنود الله ، قال : ففعلت ومرت به القبائل على راياتها ، كلها مرت به قبيلة قال : من هؤلاء يا عباس ؟ فأقول : سليم ، فيقول : ما لي ، ولسليم ، ثم تمر قبيلة فيقول : من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : ما لي ولمزينة ؟ فلا تمر قبيلة إلا سألني عنها ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الخضراء ، وفيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد ، فقال : سبحان الله من هؤلاء يا عباس ؟ قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار ، فقال : ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة ، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً ، قلت : ويحك إنها النبوة ، قال : فنعم إذاً ، فقلت : الحق الآن بقومك فحذرهم ، فخرج سريعاً حتى أتى مكة ، فصرخ في المسجد بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به . قالوا : وكيف السبيل ؟ قال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قالوا : وحيك وما تغني عنا دارك ، قال : من دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق عليه داره فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ، وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما وبايعاه ، ثم بعثهما رسول الله بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وضرب قبته بأعلى مكة ، وأمر خالد بن الوليد فيمن أسلم من خزاعة بني سليم ، أن يدخلوا من أسفل مكة وقال لهم : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس ، فقال سعد : يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة أي الحرب ، اليوم تستحل الحرمة ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فأمره على لسان علي كرم الله وجهه أن يدفع الراية لابنه قيس ، وأخبر أبا سفيان أنه لم يأمر بقتل قريش ، وأن اليوم يوم المرحمة ، وأن الله يعز قريشاً ، وخشي سعد أن ابنه يقع منه شيء أيضاً ، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها للزبير ، وكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين مع الزبير أيضاً ، فبعثه ومعه المهاجرون وخيلهم ، وأمره أن يدخل من أعلى مكة ، وأن يغرز رايته بالحجون ، ولا يبرح حتى يأتيه ، وأما خالد بن الوليد فقدم على قريش ، وبني بكر والأحابيش بأسفل مكة ، فقاتلوهم فهزمهم الله ، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك ، فقتل من المشركين اثنا عشر رجلاً ، أو ثلاثة عشر رجلاً ، ولم يقتل من المسلمين إلا ثلاثة ، وكان قد أمرهم النبي أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا نفراً سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم : عبد الله بن سعد ، وعبد الله بن خطل ، كانا قد أسلما ثم ارتدا ، ومنهم : قينتان كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن خطل ، ومنهم الحويرث بن وهب ، ومقيس بن صبابة ، وإناس آخر ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لما اطمأن بالناس ، حتى جاء البيت فطاف به سبعاً على راحلته ، يستلم الركن بمحجن في يده ، فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له فدخلها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكن له الناس في المسجد ، فقال : لا إله الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزب وحده ، ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ؟ خيراً ، أخر كريم ، وابن أخ كريم ، ثم قال : اذهبوا أنتم الطلقاء ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان الله أمكن منهم عنوة ، فبذلك سمي أهل مكة الطلقاء ، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ، ومفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله اجمع لنا بين الحجابة والسقاية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي لي ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم وفاء وبر ، واجتمع الناس للبيعة فجلس إليهم رسول الله على الصفا ، وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس ، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا ، لما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وقد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم : أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم به ؟ قال : ماذا قلتم ؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله ، فلم يزل بهم حتى أخبروه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : معاذ الله المحيا محياكم ، والممات مماتكم ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ، ثم خرج إلى هوازن وثقيف " . قوله : { يَدْخُلُونَ } نصب على الحال إن كانت رأى بصرية ، أو مفعول ثان إن كانت عملية . قوله : { أَفْوَاجاً } حال من فاعل { يَدْخُلُونَ } وهو جمع فوج . والمعنى : يدخلون زمراً زمراً من غير قتال ، وقوله : ( جاءه العرب ) لا مفهوم له بل وغيرهم . قوله : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي قل : سبحان الله والحمد لله ، تعجباً مما رأيت من عجيب إنعامه عليك . قوله : { وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي سل الله الغفران ، وإنما أمر الله تعالى نبيه بالاستغفار ، مع أنه معصوم من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ، ليترقى ويرجع إلى حضرة الحق ، فإنه وإن كان مشغولاً بهداية الخلق ، إلا أن مقام الصفوة والحضور والأنس أعلى وأجل ، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، ليزداد في التواضع والافتقار ، وليكون ختام عمله التنزيه والاستغفار ، وفيه تشريع للأمة ، إذا طعن أحدهم في السن ، فالغالب قرب أجله ، فليكثر من ذلك ليختم عمله به . قوله : { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } أي ولم يزل ، فكان للدلالة على ثبوت خبرها لاسمها ، ومعنى كونه { تَوَّاباً } أنه يكثر قبول التوبة ، وبهذا اندفع ما يقال : إن كان للدلالة على ثبوت خبرها لاسمها في الماضي ، وإذا كان كذلك فلا يصح أن يكون علة للاستغفار في الحال أو المستقبل . قوله : ( وعلم بها أنه قد اقترب أجله ) أي لقول مقاتل لما نزلت قرأها النبي صلى عليه وسلم على أصحابه ، وفيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص والعباس ، ففرحوا واستبشروا وبكى العباس ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عم ؟ قال : نعيت إليك نفسك ، قال : إنه كما قلت ، فعاش بعدها ستين يوماً ، ما رئي فيها ضاحكاً . وقيل : نزلت في منى بعد أيام التشريق في حجة الوداع ، فبكى عمر والعباس ، فقيل لهما : هذا يوم فرح ، فقالا : بل فيه نعي النبي صلى الله عليه وسلم ، أي إخبار بموته . وعن ابن عمر : نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ، ثم نزل : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [ المائدة : 3 ] فعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ثمانين يوماً ، ثم نزلت آية الكلالة ، فعاش بعدها خمسين يوماً ، ثم نزل { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [ البقرة : 281 ] فعاش بعدها إحدى وعشرين يوماً ، وقيل : سبعة أيام ، وقيل : غير ذلك قوله : ( توفي صلى الله عليه وسلم سنة عشر ) إن قلت : إن سنة عشر حج فيها وتوفي فيها ولده إبراهيم ، فالصواب سنة إحدى عشرة . وأجيب : بأن المراد على تمام عشر من الهجرة إلى المدينة ، وذلك لأن الهجرة كانت لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول ، وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلت من ربيع أول ، فكانت وفاته صلى الله عليه وسلم على رأس العاشرة ، بالنظر لجعل التاريخ من الهجرة ، وإن كانت لشهرين وشيء مضت من الحادية عشرة ، إذا اعتبر التاريخ من أول السنة الشرعية وهو المحرم ، فيصح أن يقال : توفي سنة إحدى عشرة ، بالنظر لجعل التاريخ من المحرم ، وتوفي سنة عشرة بالنظر لجعل التاريخ من يوم دخول المدينة .