Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : ( نزلت هذه السورة والتي بعدها ) ألخ ، أي بأجماع الصحابة . قوله : ( لما سحر لبيد ) أي ابن الأعصم ، وحاصله أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذلك الحجة ، ودخل المحرم سنة سبع ، وفرغ من وقعة خيبر ، ج اءت رؤساء اليهود إلى البيد بن الأعصم ، وكان حليفاً في بني زريق وكان ساحراً ، فقالوا : أنت أسحرنا أي أعلمنا بالسحر ، وقد سحرنا محمداً فلم يؤثر فيه سحرنا شيئاً ، ونحن نجعل لك جعلاً عل أن تسحره لنا سحراً يؤثر فيه ، فجعلوا له ثلاثة دنانير ، فأتى غلاماً يهودياً كان يخذم النبي ، فلم يزل به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدة أسنان من مشطه وأعطاه له فسحره بها ، وكان من جملة السرح ، صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد جعلوا في تلك الصورة إبراً مغروزة إحدى عشرة ، ووتر فيه إحدى عشرة عقدة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها ألم في بدنه ، ثم يجد بعدها راحة ، وكانت مدة سحره صلى الله عليه سلم أربعين يوماً ، وقيل : ستة أشهر ، وقيل : عاماً ، قال ابن حجر وهو المعتمد : إن قلت : كيف يؤثر السحر فيه صلى الله عليه وسلم مع أنه معصوم بنص { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] ؟ أجيب : بأن المعصوم منه ما أدى لخبل في عقله ، أو لضياع شرعه أو لموته ، وأما ما عدا ذلك ، فهو من الإعراض البشرية الجائزة في حقه ، كما أن جرحه وكسر رباعيته ، لا يقدح في عصمته ، وأنكر بعض المبتدعة حديث السحر ، زاعمين أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها ، وما أدى لذلك فهو باطل ، وزعموا أيضاً أن تجويز السحر على الأنبياء ، يؤدي لعدم الثقة مما أتوا به من الشرائع ، إذ يحتمل أن يخيل إليه أن يرى جبريل يكلمه وليس هو ، ثم وهذا كله مردود ، لقيام الدليل على ثبوت السحر بإجماع الصحابة ، وعصمته صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء ، وصدقهم فيما يبلغونه عن الله ، وأما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا ، فهم كسائر البشر تعتريهم الأعراض ، كالصحة والسقم والنوم واليقظة والتألم بالسحر ونحو ذلك ، وأما ما ورد في قصة السحر ، مع أنه كان يخيل إليه أنه يأتي أهله ولم يأت ، فمعناه أنه يظهر له من نشاطه وسابق عادته الاقتدار على الوطء ، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك ، كما هو شأن المعقود ، وتسمية العامة المربوط لما ورد : أنه حبس عن عائشة سنة ، وعن ابن عباس : أنه مرض وحبس عن النساء والطعام والشراب ، ففي ذلك دليل على أن السحر ، إنما تسلط على ظاهره جسده ، لا على عقله ، ثم اعلم أن مذهب أهل السنة ، أن السحر حق وله حقيقة ، ويكون بالقول والفعل ، ومن جملة أنواعه : السيمياء وهي حيل صناعية ، يتوصل إليها بالاكتساب ، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس ، ومادته الوقوف على خواص الأشياء ، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاتها ، وأكثرها تخيلات ، فيعظم عند من لا يعرف ذلك ، والحق أنه من الأسباب العادية التي توجد الأشياء عندها لا بها ، فيؤثر في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر ، وفي الأبدان بالألم والسقم ، وأما قلب الجماد حيواناً وعكسه فباطل لا يتصور ، إذ لو قدر الساحر على هذا ، لقدر أن يرد نفسه إلى الشباب بعد الهرم ، وأن يمنع نفسه من الموت ، وهو حرام إن لم يكن بما يعظم به غير الله ، أو يعتقد تأثيره بنفسه ، وإلا فهو كفر . قوله : ( في وتر ) بفتحتين أي وتر القوس . قوله : ( فأحضر بين يديه ) روي أنه صلى الله عليه وسلم كان نائماً ذات يوم ، إذ أتاه ملكان ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رأسه : ما بال الرجل ؟ فقال : الذي عند رجليه : طب أي سحر ، قال : ومن سحره ؟ قال : لبيد بن عاصم اليهودي ، قال : وبم طبه ؟ قال بمشط ومشاطة ، قال : وأين هو ؟ قال : في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان ، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر علياً والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة ، وإذا تمثال من شمع على صورته صلى الله وسلم مغروز فيه إحدى عشرة إبرة ، وكانت هذه المذكورات كلها موضوعة في الجف ، وهو بضم الجيم وتشديد الفاء ، وعاء طلع النخل ، والراعوفة حجر أسفل البئر يقوم عليه المائح . قوله : ( كأنما نشط من عقال ) أي كأنما حل وأطلق منه . قوله : ( الصبح ) هذا أحد أقوال في معنى الفلق ، وآثره وإشارة إلى التفاؤل الحسن ، فإن مقصود العائذ من الاستعاذة ، أن يتغير حاله بالخروج من الخوف إلى الأمن ، ومن الوحشة إلى السرور والصبح أدل على هذا ، لما فيه من زوال الظلمة بإشراق أنواره ، وتغير وحشه الليل وثقله بسرور الصبح وخفته ، وقيل : الفلق سجن في جهنم ، وقيل : بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل جهنم من حره ، وقيل : هو اسم من أسماء جهنم ، وقيل : واد في جهنم ، وقيل : شجرة في النار ، وقيل : الرحم لا نفلاقه عن الولد ، وقيل : كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والحب والنوى وكل نبات ، وقيل : غير ذلك . قوله : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا عام وما بعده خاص ، والجار والمجرور متعلق بـ { أَعُوذُ } و { مَا } موصولة أو مصدرية . قوله : ( وغير ذلك ) أي كالإحراق بالنار والإغراق في البحار . قوله : { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } نكر { غَاسِقٍ } و { حَاسِدٍ } لإفادة التبعيض ، لأن الضرر قد يتخلف فيهما ، وعرف { ٱلنَّفَّاثَاتِ } لأنهن معهودات ، فقيل : بنات لبيد ، وقيل : إخواته . قوله : ( أي الليل إذا أظلم ) سمي الليل غاسقاً لانصباب ظلامه ، واستعيذ من الليل لشدة الآفات فيه ، و { إِذَا } منصوبة بـ { شَرِّ } أي أعوذ بالله من الشر في وقت كذا . قوله : ( أو القمر ) سمي غاسقاً لذهاب ضوئه بالكسوف ، أو المحاق في آخر الشهر واسوداده ، وقوله : ( إذا غاب ) أي استتر بالكسوف ، أو أخذ في المحاق أو النقص ، وذلك آخر الشهر ، وفيه تتوفر أسباب السحر المصححة له ، ويسميه المنجمون إذ ذاك نحساً ، وهو أنسب بسبب النزول ، وهذان قولان من جملة أقوال كثيرة ، وقيل : الثريا وذلك لأنها إذا سقطت كثرت الأقسام والطواعين ؛ وإذا طلعت ارتفع ذلك ، وقيل : هو الشمس إذا غربت ، وقيل : هو الحية إذا لدغت ، وقيل : كل هاجم يضر كائناً ما كان . قوله : ( السواحر ) صفة لموصوف محذوف أي النساء السواحر ، وخص النساء بالذكر ، لأن سحرهن أشد من سحر الرجال ، لما ورد : أنه بعد إغراق فرعون وقومه ، وتوجه موسى وقومه لقتال الجبارين ، ملك نساء القبط مصر ، وأقمن فيها ستمائة سنة ، كلما قصدهن عسكر صورن صورته ، وفعلن بالصورة ما شئن من قلع الأعين وقطع الأعضاء ، فيتفق نظيره للعسكر القاصد لهن فتخافهن العسكر . قوله : ( بشيء ) أي مع شيء أي قول تقوله . قوله : ( من غير ريق ) متعلق بـ ( تنفخ ) ، واختلف في النفث عند الرقية والمسح باليد ، فمنعه قوم لما فيه من التشبه بالسحر ، وأجازها آخرون وهو الصحيح ، لما ورد عن عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في الركية ، ورد عنها أيضاً أنها رقت ونفثت ، وقال علي كرم الله وجهه : " اشتكيت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وانا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحمني ، وإن كان متأخراً فاشفني وعافني ، وإن كان بلاء فصبرني ، فقال صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ فقلت له ، فمسحني بيده ثم قال : اللهم اشفه ، فما عاد ذلك الوجع بعد " اهـ . قوله : ( وقال الزمخشري : معه ) أي الريق ، ففي النفث قولان . قوله : { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد تمني زوال نعمة المحسود عنه ، وإن لم يصر للحاسد مثلها ، والغبطة تمني مثلها ، فالحسد مذموم دون الغبطة ، وعليها حمل حديث : " لا حسد إلا في اثنتين " والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، وأول ذنب عصي به في الأرض ، فحسد إبليس آدم وقابيل هابيل ، والحاسد ممقوت مبغوض ومطرود ومعلون ، قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خسمة أوجه ، أولها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره . ثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول : لم قسمت لي هذه القسمة ؟ ثالثها : أنه يعاند فعل الله تعالى ، رابعها : أنه يرى خذلان أولياء الله . خامسها : أنه أعان عدو الله إبليس ، وقال بعضهم : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاً ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً ، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً ، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً ، وفي الحديث : " في الإنسان ثلاثة : الطيرة والظن والحسد ، فيخرجه من الطيرة أن لا يرجع ، ويخرجه من الظن أن يحقق ، ويخرجه من الحسد من لا يبغي " . قوله : ( أظهر حسده ) أي حمله الحسد على إظهاره ، لأنه إذا لم يظهر الحسد ، لا يتأذى به إلا الحاسد وحد لاغتمامه بنعمة غيره ، وفي هذا المعنى قال بعض العارفين : @ ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله فعله لأنك لم ترض لي ما وهب فكان جزاؤك أن خصني وسد عليك طريق الطلب @@ وقال بعضهم : @ اصبر على حسد الحسو د فإن صبرك قاتله فالنار تأكل ب عضها إن لم تجد ما تأكله @@ فائدة : كرر لفظ شر من كل جمع لئلا يتوهم أنه شر واحد مضاف للجميع .