Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 110-111)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : ( وكان صلى الله عليه وسلم ) أشار بذلك إلى سبب نزولها وحاصله " أنه سجد صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فجعل يقول في سجوده : يا الله ، يا رحمن ، فقال أبو جهل : إن محمداً ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين " قوله : ( إلهاً آخر ) أي وهو الرحمن ، ظناً منهم أن المراد به مسيلمة الكذاب ، لأن قومه كانوا يسمونه رحمان اليمامة ، قال بعضهم في حقه : @ سميت بالمجد يا ابن الأكرمين أباً وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا @@ وهجاه بعض المسلمين بقوله : @ سميت بالخبث يا ابن الأخبثين أباً وأنت شر الورى لا زلت شيطانا @@ قوله : ( أي سموه بأيهما ) أي اذكروا في غير نداء . قوله : ( أو نادوه ) تفسير ثان لقوله : { ٱدْعُواْ } فعلى الأول يكون ناصباً لمفعولين : أولهما محذوف تقديره معبودكم ، وعلى الثاني يكون ناصباً لمفعول واحد . قوله : ( بأن تقولوا يا الله يا رحمن ) أشار بذلك إلى أن أسماء الله توقيفية ، فلا يجوز لنا أن نسميه باسم غير وارد في الشرع ، قال صاحب الجوهرة : واختبر أن أسماء توقيفية . قوله : { أَيّاً } ( شرطية ) أي منصوبة بتدعو ، فهي عاملة ومعمولة ، والمضاف إليه محذوف قدره المفسر بقوله : ( أي هذين ) . قوله : { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } هذه الجملة جواب الشرط ، وهو ما اشتهر على ألسنة المعربين ، وقدر المفسر جوابه بقوله : ( فهو حسن ) فتكون الجملة دليل الجواب ، والأسماء جمع اسم ، وهو اللفظ الدال على ذات المسمى ، وأسماؤه تعالى كثيرة ، قيل ثلاثمائة وقيل ألف وواحد ، وقيل مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأن كل نبي تمده حقيقة اسم خاص به ، مع امداد بقية الأسماء له لتحققه بجميعها ، وقيل ليس لها حد ولا نهاية لها على حسب شؤونه في خلقه ، وهي لا نهاية لها ، والحسنى إما مصدر وصف به ، أو مؤنث أحسن ، كأفضل وفضلى ، فأفرد لأنه وصف جمع القلة لما لا يعقل ، فيجوز فيه الإفراد والجمع ، وإن كان الأحسن الجمع ، قال الأجهوري : @ وجمع كثرة لما لا يعقل الأفصح الإفراد فيه يأفل وغيره فالأفصح المطابقة نحو هبات وأفرات لائقة @@ وحسن أسمائه تعالى ، لدلاتها على معان شريفة هي أحسن المعاني ، لأن معناها ذات الله أو صفاته . قوله : ( كما في الحديث ) أي ونصبه " إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسماً ، من أحصاها دخل الجنة ، هو الله الذي لا إله إلا هو " " إلى آخر الرواية التي ذكرها المفسر واختارها ، وإن كان الحديث وارداً بأوجه خمسة ، لكونها أصح الروايات الواردة ، ومنها : " إن لله تسعة وتسعين اسماً ، مائة غير واحد ، إنه وتر يحب الوتر ، وما من عبد يدعو بها إلا وجبت له الجنة " ومنه : " إن " لله تسعة وتسعون اسماً ، من احصاها كلها دخل الجنة ، أسأل الله تعالى ، الرحمن الرحيم ، الإله الرب " إلى آخره . ومنها : " إن لله عز وجل ، تسعة وتسعون اسماً ، مائة إلا واحداً ، إنه وتر ، يحب الوتر ، من حفظها دخل الجنة ، الله الواحد الصمد " الخ . ومنها : " إن لله تعالى مائة اسم غير اسم ، من دعا بها استجاب الله له " وكلها في الجامع الصغير ، في حرف الهمزة مع النون ، عن علي ، وعن أبي هريرة ، والحفظ والاحصاء عند أهل الظاهر ، معرفة ألفاظها ومعانيها ، وعند أهل الله ، هو الاتصاف بها ، والظهور بحقائقها ، والعثور على مدارج نتائجها . قوله : ( هو ) ليس من الأسماء الحسنى ، بل هو عند أهل الظاهر ضمير شأن يفسره ما بعده ، وعند أهل الله اسم ظاهر يتعبدون بذكره ، وعلى كل فهو زائد على التسعة والتسعين . قوله : ( الله ) هو أعظم الأسماء المذكورة ، لكونه جامعاً لجميع الأسماء والصفات ، وهو علم الذات الواجب المسمى لجميع المحامد ، وأل لازمة له ، لا لتعريف ولا غيره ، وهو ليس بمشتق على الصحيح . قوله : ( الذي لا إله إلا هو ) نعت للاسم الجليل ، أي الذي لا معبود غيره . قوله : ( الرحمن ) أي المنعم بجلائل النعم ، كما وكيفاً ، دنيوية وأخروية ، ظاهرة وباطنة . قوله : ( الرحيم ) أي المنعم بدقائق النعم كماً وكيفاً ، دنيوية وأخروية ، ظاهرية وباطنية ، والدقائق ما تفرعت عن الجلائل ، كالزيادة في الإيمان ، والعلم والمعرفة والتوفيق والعافية والسمع والبصر . قوله : ( الملك ) أي المتصرف في خلقه بالإيجاد والإعدام وغير ذلك ، وتسمية غيره به مجاز . قوله : ( القدوس ) أي المنزه عن صفات الحوادث ، وأتى به عقب الملك ، لدفع توهم يطرأ عليه نقص كالملوك . قوله : ( السلام ) أي المؤمن من المخاوف والمهالك ، أو الذي يسلم على عباده . قوله : ( المؤمن ) أي المصدق لرسله بالعجزات ، ولأوليائه بالكرامات ، ولعباده المؤمنين على ايمانهم واخلاصهم ، لأنه لا يطلع على الأخلاص نبي مرسل ولا ملك مقرب ، وإنما يعلم من الله . قوله : ( المهيمن ) أي المطلع على خطرات القلوب . قوله : ( العزيز ) من عز بمعنى غلب وقهر ، فهو من صفات الجلال ، أو من عز بمعنى قل ، فلم يوجد له مثيل ولا نظير ، فهو من صفات السلوب . قوله : ( الجبار ) أي المنتقم القهار ، فيكون من صفات الجلال أو المصلح للكسر ، يقال : جبر الطبيب الكسر أصلحه ، فيكون من صفات الجمال . قوله : ( المتكبر ) من الكبرياء وهو التعالي في العظمة ، وهي مختصة به تعالى ، لما في الحديث القدسي : " العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمته " قوله : ( الخالق ) أي الموجد للمخلوقات من العدم . قوله : ( البارىء ) أي المبرىء من الأسقام ، أو المظهر لما في الغيب ، من برىء بمعنى أظهر ما كان خفياً ، فيرجع لمعنى الخالق . قوله : ( المصور ) أي المبدع للأشكال على حسب إرادته ، فأعطى كل شيء من المخلوقات ، صورة خاصة ، وهيئة منفردة ، يتميز بها على اختلافها وكثرتها . قوله : ( الغفار ) إما مأخوذ من الغفر بمعنى الستر ، لأنه يستر على عباده قبائحهم ، فيحجبها في الدنيا على الآدميين ، وفي الآخرة عن الملائكة ، ولو كانت موجودة في الصحف ، أو من الغفر بمعنى المحو من الصحف ، وهو مرادف للغفور والغافر ، وقيل : إن الغافر هو الذي يغفر بعض الذنوب ، والغفور الذي يغفر أكثرها ، والغفار الذي يغفر جميعها ، والصحيح الأول ، لأنه لا مبالغة في أسماء الله ، بل صيغتها صيغة نسبة ، كتمار نسبة للتمر . قوله : ( القهار ) أي ذو البطش الشديد ، فهو من صفات الجلال . قوله : ( الوهاب ) أي ذو الهبات العظيمة لغير غرض ولا علة ، فالطاعات لا تزيد في ملكه شيئاً ، وإنما رتب الثواب عليها من فضله وكرمه ، وهذا الاسم من صفات الجمال . قوله : ( الرزاق ) أي معطي الأرزاق لعباده ، دنيا وأخرى ، قال تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] وهو بمعنى الرزاق ، والرزق قسمان : ظاهر وهو الأقوات من طعام وشراب ونحو ذلك ، وباطن وهو العلوم والأسرار والمعارف ، فالأول رزق الأبدان ، والثاني رزق الأرواح ، وكل من عند ربنا . قوله : ( الفتاح ) أي ذو الفتح لما كان مغلوقاً ، حسياً أو معنوياً ، فهو المسهل لكل عسير ، من خيري الدنيا والآخرة ، فضلاً منه وإحساناً ، وهذا وما قبله من صفات الجمال . قوله : ( العليم ) أي ذو العلم ، وهو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى ، تتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات ، تعلق احاطة وانكشاف ، لا يوصف بنظر ولا ضرورة ولا كسب . قوله : ( القابض ) أي ذو القبض ضد البسط ، فهو جل وعز ، قابض للأرزاق والأرواح وغير ذلك ، فيكون من صفات الجلال . قوله : ( الباسط ) أي ذو البسط ضد القبض ، فهو سبحانه وتعالى باسط الأرزاق في الدنيا والآخرة والقلوب وغير ذلك ، قال تعالى : { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } [ البقرة : 245 ] وهذان الاسمان يظهر أثرهما في العبيد . وللعارفين مقدمات في القبض والبسط ، فالمبتدىء يسمون تجليه قبظاً وبسطاً ، والمتوسط يسمونه أنساً وهيبة ، والكامل يسمونه جلالاً وجمالاً . قوله : ( الخافض ) أي لمن أراد خفضه ، أي فهو خافض لكلمة الكفر وللظالمين ولكل متكبر وغير ذلك . قوله : ( الرافع ) أي ذو الرفع لأهل الإِسلام والعلماء والصديقين والأولياء والسماوات والجنة وغير ذلك من الحسي والمعنوي ، والأول من صفات الجلال ، والثاني من صفات الجمال . قوله : ( المعز ) أي خالق العز لمن يشاء من خلقه . قوله : ( المذل ) أي خالق الذل لمن أراد من عباده ، والأول من صفات الجمال ، والثاني من صفات الجلال . قوله : ( السميع ) أي ذو السمع ، وهو صفة أزلية تتعلق بجميع الموجودات ، تعلق احاطة وانكشاف . قوله : ( البصير ) أي ذو البصر ، وهو صفة أزلية تتعلق بجميع الموجودات ، تعلق احاطة وانكشاف ، فهي مساوية في التعلق لصفة السمع ، ولا يعلم حقيقة اختلافهما إلا الله تعالى ، وهما مخالفان لتعلق العلم ، لأن العلم يتعلق بالمعدومات والموجودات ، وهما إنما يتعلقان بالموجودات فقط ، وكل منها منزه عن صفات الحوادث ، قال بعض العارفين : من أراد خفاء نفسه عن أعين الناس بحيث لا يرونه ، فليقرأ عند مروره عليهم { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الأنعام : 103 ] تسع مرات . قوله : ( الحكم ) أي ذو الحكم التام . قوله : ( العدل ) أي ذو العدل أو العادل ، فلم يظلم مثقال ذرة ، فأحكام الله لا جور فيها ، بل دائرة بين الفضل والعدل ، لأن الجور التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، ولا ملك لأحد معه ، وأردف الحكم بالعدل ، دفعاً لتوهم أن حكمه تارة يكون بالعدل ، وتارة يكون بالجور . قوله : ( اللطيف ) أي العالم بخفيات الأمور ، أو معطي الإحسان في صورة الامتحان ، كإعطاء يوسف الصديق الملك في صورة الابتلاء لرقيه ، وآدم الفوز الأكبر في صورة ابتلائه بأكله من الشجرة واخراجه من الجنة ، ونبينا صلى الله عليه وسلم الفتح والنصر المبين في صورة ابتلائه بإخراجه من مكة ، وهي سنة الله في عباده الصالحين . - فائدة - من قرأ قوله تعالى : { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } [ الشورى : 19 ] في كل يوم تسع مرات ، لطف الله به في أموره ، ويسر له رزقاً حسناً ، وكذلك من أكثر من ذكر اللطيف . قوله : ( الخبير ) أي المطلع على خفيات الأشياء ، فيرجع لمعنى اللطيف على التفسير الأول ، أو القادر على الإخبار بما عجزت عنه المخلوقات ، قال بعضهم : من أراد أن يرى شيئاً في منامه ، فليقرأ قوله تعالى { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] تسع مرات عند نومه . قوله : ( الحليم ) هو الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه وكفر به بل يمهله ، فإن تاب محا عنه خطاياه ، ومن أقبح ما تقول العامة : حلم ربنا يفتت الكبود ، إذ معناه اعتراض على سعة حلمه ، ولا يدرون أنه لولا حلمه علينا لخسف بنا ، فسعة حلمه من أجلّ النعم علينا ، قال العارف : الحمد لله على حلمه بعد علمه ، وعلى عفوه بعد قدرته . قوله : ( العظيم ) أي الذي يصغر كل شيء عند ذكره ، ولا يحيط به إدراك ، ولا يعلم كنه حقيقته سواه ، ففي الحديث : " سبحان من لا يعلم قدره غيره ، ولا يبلغ الواصفون صفته " ، فهو من الصفات الجامعة . قوله : ( الغفور ) تقدم معناه عند تفسيره اسمه الغفار . قوله : ( الشكور ) أي الذي يشكر عباده ، أي يثني عليهم في الدنيا والآخرة ، فيعطي الثواب الجزيل على العمل القليل ، ويرفع ذكرهم في الملإ الأعلى . قوله : ( العلي ) أي المرتفع المنزه عن كل نقص ، المتصف بكل كمال ، المستغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه . قوله : ( الكبير ) هو والعظيم بمعنى واحد قوله : ( الحفيظ ) أي الحافظ للعالم العلوي والسفلي ، دنيا وأخرى ، قال تعالى : { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [ هود : 57 ] . قوله : ( المقيت ) أصله المقوت ، نقلت حركة الواو إلى الساكن ، قبلها فقلبت الواو ياء لمناسبة ما قبلها ، أي خالق القوت للأجساد والأرواح ، دنيا وأخرى ، وقوت الأجسام : الطعام والشراب ونفعها بذلك وتلذذها به ، وقوت الأرواح : الإيمان والأسرار والمعارف وانتفاعهل بها ، والكافر لا قوت لروحه . قوله : ( الحسيب ) أي الكافي من توكل عليه ، أو الشريف الذي كل من دخل حماه تشرف ، أو المحاسب لعباده على النقير والفتيل والقطمير ، في قدر نصف يوم من أيام الدنيا أو أقل . قوله : ( الجليل ) أي العظيم في الذات والصفات والأفعال ، فيرجع لمعنى العظيم والكبير . قوله : ( الكريم ) أي المعطي من غير سؤال ، أو الذي عم عطاؤه الطائع والعاصي . قوله : ( الرقيب ) أي المراقب الحاضر المشاهد لكل مخلوق المتصرف فيه ، وهو أعم من المهيمن ، لأنه المطلع على خطرات القلوب ، والرقيب المطلع على الظاهر والباطن . قوله : ( المجيب ) أي لدعوة الداعي ، قال تعالى : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] . وفي الحديث : " ما من عبد يقول يا رب إلا قال الله لبيك يا عبدي " قوله : ( الواسع ) السعة في حقه تعالى ، ترجع لنفي الأولية والآخروية والإحاطة ، فهو من صفات السلوب ، أو يراد منها : أن رحمته وسعت كل شيء ، فيكون من صفات الجمال . قوله : ( الحكيم ) أي ذو الحكمة ، وهي العلم التام والصنع المتقن . قوله : ( الودود ) أي المحبب لعباده الصالحين المحبين الراضي عليهم ، قال تعالى : { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] أو الودود بمعنى المحبوب ، لأنه محب ومحبوب ، فمحبته لعباده : إنعامه عليهم ، أو إرادة إنعامه ، فترجع لمعنى الرضا ، ومحبة عباده له : ميلهم إليه ، وشغلهم به عمن سواه . قوله : ( المجيد ) أي الشريف ، ومثله الماجد . قوله : ( الباعث ) أي الذي يبعث الأموات ، أي يحييهم للحساب ، ويبعث الرسل لعباده ، لإقامة الحجة عليهم ، والأرزاق الدنيوية والأخروية . قوله : ( الشهيد ) أي المطلع على الظاهر والباطن ، فيرجع لمعنى الرقيب ، وأما قوله تعالى : { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ } [ الأنعام : 73 ] فتسميته غيباً بالنسبة لنا ، وإلا فالكل شهادة عنده . قوله : ( الحق ) أي الثابت الذي لا يقبل الزوال ، أزلا ولا أبداً ، فيرجع لمعنى واجب الوجود . قوله : ( الوكيل ) أي المتولي أمور خلقه ، دنيا وأخرى . قوله : ( القوي ) أي ذو القدرة التامة ، التي يوجد بها كل شيء ويعدمة على طبق مراده . قوله : ( المتين ) أي صاحب القوة العظيمة التي لا تعارض ، ولا يعتريها نقص ولا خلل . قوله : ( الولي ) أي الموالي والمتابع للإحسان لعبيده ، أو المتولي للخير والشر ، بمعنى صدور الكل منه ، فيرجع لمعنى الوكيل ، ويشهد للأول قوله تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] الآية ، وللثاني قوله تعالى : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [ الشورى : 9 ] فالله هو الولي ، وأما الولي من الخلق ، فمعناه الموالي لطاعة ربه ، والمداوم عليها ، أو من تولى الله أمره ، فلم يكله لغيره . وقوله : ( الحميد ) أي المحمود ، أي المستحق الحمد كله ، والحمد لعبيده الصالحين ، ولنفسه بنفسه . قوله : ( المحصي ) أي الضابط لعدد مخلوقاته ، جليلها وحقيرها ، قال تعالى : { وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً } [ الجن : 28 ] . قوله : ( المبدىء ) بالهمزة أي المنشىء من العدم إلى الوجود ، وأما بغير همزة فمعناه المظهر ، وليس مراداً هنا لكون الرواية بالهمزة . قوله : ( المعيد ) أي الذي يعيد الخلق بعد انعدامهم ، قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } [ الروم : 27 ] وهو أهون عليه ، واختلف أهل السنة في تلك الإعادة ، قيل عن عدم محض ، وقيل عن تفريق أجزاء ، قال صاحب الجوهرة : @ وقل يعاد الجسم بالتحقيق عن عدم وقيل عن تفريق @@ قوله : ( المحيي ) أي المقوم للأبدان بالأرواح للخلائق من العدم ، أي الناقل لهم من حالة العدم لحالة الحياة . قوله : ( المميت ) أي الخالق للموت ، وهو عدم الحياة عما من شأنه الحياة ، قال تعالى : { خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [ الملك : 2 ] . قوله : ( الحي ) أي ذو الحياة ، وهي في حقه تعالى ، صفة أزلية قائمة بذاته يستلزمها اتصافه بالمعاني والمعنوية . قوله : ( القيوم ) أي القائم بذاته تعالى ، المستغني عن غيره ، أي المقوم لغيره بقدرته ، فهو المتصرف في العالم دنيا وأخرى . قوله : ( الواجد ) أي الغني ، من الوجدان ، وهو عدم نفاد الشيء ، بمعنى أنه لو أغنى الخلق جميعاً ، وأعطاهم سؤلهم ، لم ينقص من ملكه ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . قوله : ( الماجد ) هو بمعنى المجيد المتقدم ، وهو الشريف أو واسع الكرم . قوله : ( الواحد ) أي الذي لا ثاني به في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فهو مستلزم لنفي الكموم الخمسة : المتصل والمنفصل في الذات ، والمتصل والمنفصل في الصفات ، والمنفصل في الأفعال ، والمتصل فيها لا ينفى ، بل هو تعلق القدرة والإرادة في سائر الكائنات ايجاداً واعداماً ، فلا غاية له ، قال تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] أي كل لحظة ولمحة في شؤون يبديها ولا يبتديها ، والوحدة في غيره نقص ، وفي حقه كمال ، كما ورد أنه واحد لا من قلة ، بل وحدة تعزز وانفراد وتكبر ، لانعدام الشبيه والنظير والمثيل ، وفي بعض النسخ زيادة لفظ الأحد ، وهو بمعنى الواحد ، والصواب اسقاطه ، لأنه ليس ثابتاً في حديث الترمذي الذي نسب الحديث إليه . قوله : ( الصمد ) أي الذي يقصد في الحوائج ، فهو كالدليل للوحدانية . قوله : ( القادر ) أي ذو القدرة التامة ، وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى ، تتعلق بالممكنات ايجاداً واعداماً على وفق الإرادة . قوله : ( المقتدر ) مبالغة في القدرة التي لا شبيه لها ولا مثيل ولا نظير ، فيرجع لمعنى القوي المتين . قوله : ( المقدم ) بكسر الدال ، أي لمن أراد من عباده . قوله : ( المؤخر ) أي لمن أراد تأخيره ، قال تعالى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] الآية . قوله : ( الأول ) أي الذي لا افتتاح لوجوده . قوله : ( الآخر ) أي الذي لا انتهاء لوجوده . قوله : ( الظاهر ) أي الذي ليس فوقه شيء ، ولا يغلبه شيء ، أو الظاهر بآثاره وصنعه ، ومن الحكم : هذه آثارنا تدل علينا ، قال تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] . قوله : ( الباطن ) أي الذي ليس أقرب منه شيء ، أو الذي تحجب عنا بجلاله وهيبته ، فلا تراه الأبصار في الدنيا ، ولا تدرك حقيقته لأحد ، دنيا ولا أخرى ، وقد جمعت هذه الأسماء الأربعة في قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر " قوله : ( الوالي ) أي المتولي على عباده ، بالتصرف والقهر والإيجاد والإعدام ، فيرجع لمعنى الملك . قوله : ( المتعالي ) أي أي المنزه عن صفات الحوادث ، فيرجع لمعنى القدوس ، وأتى به عقب الوالي ، لدفع توهم طرو نقص عليه كالولاة . قوله : ( البر ) أي المحسن لعباده ، الطائعين والعاصين . قوله : ( التواب ) أي كثير التوبة لعباده المذنبين ، أي يقبل توبتهم إن تابوا ، أو الذي يخلق التوبة في العبد فتظهر فيه ، قال تعالى : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ التوبة : 18 ] ، وقال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } [ الشورى : 118 ] . قوله : ( المنتقم ) أي المرسل للنقم والعذاب على الكفار والجبابرة ، الذين ماتوا مصرين على ذلك ، فهو من صفات الجلال كقهار . قوله : ( العفو ) أي الذي لا يؤاخذ المذنب بالذنوب ، بل يمحوها ويبدلها بحسنات . قوله : ( الرؤوف ) من الرأفة وهي شدة الرحمة ، ومعناها بحقه تعالى : الانعام أو إرادته . قوله : ( مالك الملك ) أي المتصرف فيه على ما يريد ويختار ، قال تعالى : { يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } [ الرعد : 41 ] . قوله : ( ذو الجلال ) أي صاحب الهيبة والعظمة ، وقوله : ( والإكرام ) أي الانعام والاحسان . قوله : ( المقسط ) أي الذي يحكم بالانصاف بين خلقه ، وضده القاسط بمعنى الجائر . قوله : ( الجامع ) أي لكل كمال أو للخلق يوم القيامة ، قال تعالى : { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } [ الشورى : 29 ] أو ما هو أعم وهو أولى . قوله : ( الغني ) أي ذو الغنى المطلق ، وهو المستغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه . قوله : ( المغني ) أي المعطي الغنى لمن يشاء ، دنيا وأخرى ، قال تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } [ النجم : 48 ] . قوله : ( المانع ) أي الرافع عن عبيد المضار الدنيوية والأخروية ، قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [ الحج : 38 ] { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } [ البقرة : 251 ] . قوله : ( الضار ) أي خالق الضر ضد النفع ، وهو إيصال الشر لمن شاء من عباده . قوله : ( النافع ) أي خلق النفع ضد الضر ، وهو إيصال الخير لمن شاء من عباده ، دنيا وأخرى . قوله : ( النور ) أي الظاهر في نفسه المظهر لغيره ، أو خالق النور . قوله : ( الهادي ) أي خالق الهدى والرشاد ، الموصل له من أحب من عباده . قوله : ( البديع ) أي المبدع والمحكم كل شيء صنعه ، أو المخترع الأشياء على غير مثال سابق . قوله : ( الباقي ) أي الدائم الذي لا يزول ولا يحول . قوله : ( الوارث ) أي الباقي بعد فناء خلقه ، أو الذي يرجع إليه كل شيء ، قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ مريم : 40 ] { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } [ الشورى : 53 ] . قوله : ( الرشيد ) أي صاحب الرشد ، وهو الذي يضع الشيء في محله ، أو خالق الرشد في عباده ، فيرجع لمعنى الهادي . قوله : ( الصبور ) أي الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه ، فيرجع لمعنى الحليم ، والله أعلم بحقيقة معاني أسمائه وأسرارها . قوله : ( رواه الترمذي ) أي عن أبي هريره ، وأعلم أن للعارفين في استعمال هذه الأسماء طرقاً ، فمنهم من يستعملها نثراً ، ومنهم من يستعملها نظماً ، كالشيخ الدمياطي ، وسيدي مصطفى البكري ، وغيرهما ، وأجل ما تلقيناه ، منظومة أستاذنا بركة الوقت والزمان ، وإمام العصر والأوان ، القطب الشهير والشهاب المنير ، أبو البركات ، مهبط الرحمات ، الذي عم فضله الكبير والصغير ، شيخنا الشيخ أحمد بن محمد الدردير ، فإنها عديمة النظير ، لاحتوائها على الدعوات الجامعة ، والأسرار اللامعة ، بمظاهر تلك الأسماء ، وهي آخر العلوم الإلهية التي ظهرت على لسانه ، وقد ألقيت عليه في ليلة واحدة ، فقام من فراشه وكتبها ، وكان يقرؤها في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، فمن أراد الفوز الأكبر ، والظفر بالمقصود ، من خيري الدنيا والآخرة ، فعليه بحفظها والمواظبة عليها ، صباحاً ومساء ، ومن أراد الاطلاع على بعض معانيها وفوائدها ، فعليه بشرحنا عليها ، فإن فيه النفع التام إن شاء الله تعالى . قوله : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } سبب نزولها كما قال ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مختفياً بمكة ، وكان إذا صلى بأصحابه ، رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون ، سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله لنبيه { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } أي بقراءتك ، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم ، وابتغ بين ذلك سبيلاً ، وهذا الأمر قد زال من يوم إسلام عمر والحمزة فهو منسوخ ، فللمصلي الجهر في الصلاة الجهرية ، ولا يزيد على سماع المأمومين ، وقيل نزلت في الدعاء ، وروي ذلك عن عائشة وجماعة ، ومثل الدعاء سائر الأذكار ، فلا يجهر بها ، ولا يخافت بها ، بل يكون بين ذلك قواماً ، وعلى هذا القول فالآية غير منسوخة ، بل العمل بها ، مستمر . قوله : { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } المخافتة عدم رفع الصوت ، يقال خفت الصوت إذا سكن . قوله : ( لينتفع أصحابك ) علة للنهي عن المخافتة . قوله : { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } أي لم يكن له ولد لاستحالته عليه . قوله : ( الألوهية ) أي لم يكن له مشارك في ألوهيته ، إذ لو كان معه مشارك فيها ، لما وجد شيء من العالم ، قال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] وقال تعالى : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ المؤمنون : 91 ] . قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } أي لم يكن له ناصر يمنع عنه الذل ، لاستحالته عليه عقلاً ، واستفيد من الآية أن له أولياء ، لا من أجل الذل ، بمعنى أنه ينصرهم ويتولى أمورهم ، مع استغنائه عنهم كاستغنائه عن الكفار ، وإنما اختيارهم وتسميتهم أولياء وأحباباً ، فمن فضله واحسانه ، وكما أنه يستحيل عليه الولي ، بمعنى الناصر له من الذل ، يستحيل عليه العدو ، بمعنى الموصل الأذى إليه ، وأما بمعنى أنه مغضوب عليه وليس راضياً بأفعاله غهو واقع . قوله : ( أي لم يذل ) أي لم يجر عليه وصف الذل ، لا بالفعل ولا بالقوة . قوله : ( عظمة عظمة ) أي نزهه عن كل نقص . قوله : ( وترتيب الحمد ) الخ ، دفع بذلك ما يقال : إن المقام للتنزيه لا للحمد ، لأن الحمد يكون في مقابلة نعمه ، وهنا ليس كذلك . أجيب : بأن الله كما يستحق الحمد لأوصافه ، يستحقه لذاته . قوله : ( آية العز ) أي التي من قرأها مؤمناً بها حصل له العز والرفعة ، وورد في عدة استعمالها ، أنها ثلاثمائة وأحد وخمسون كل يوم ، ويقول قبلها : توكلت على الحي الذي لا يموت ، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً إلى آخرها . قوله : ( جلال الدين المحلي ) كان على غاية من العلم والعمل والزهد والورع والحلم ، حتى كان من أخلاقه أنه يقضي حوائج بيته بنفسه ، مع كونه كان عنده الخدم والعبيد . قوله : ( وقد أفرغت فيه ) والضمير عائد على ما في قوله : ( آخر ما كملت به ) وكذا بقية الضمائر . قوله : ( جهدي ) بفتح الجيم وضمها أي طاقتي . قوله : ( وبذلت فكري ) الفكر قوة في النفس ، يحصل بها التأمل . قوله : ( في نفائس ) أي دقائق ونكات مرضية . قوله : ( أراها ) بفتح الهمزة وضمها . قوله : ( تجدي ) أي تنفع . قوله : ( قدر ميعاد الكليم ) أي وهو أربعون يوماً ، لأنه سيأتي أنه ابتدأ فيه أول يوم رمضان ، وختمه لعشرة من شوال ، وفي ذلك إشارة إلى أن في هذه المدة ، حصل لموسى الفتح ، وإعطاء التوراة وهي كلام الله ، فقد خلعت عليّ خلعة من خلعه ، حيث فتح عليّ في تلك المدة ، بخدمة كلام الله ، والأخبار بذلك من باب التحدث بالنعمة ، فإن هذا الزمن عادة ، لا يسع هذا التأليف إلا بعناية من الله ، سيما مع صغر سن الشيخ حينئذ ، فإنه كان عمره أقل من ثنتين وعشرين سنة بشهور . قوله : ( وهو ) أي ما كملت به . قوله : ( مستفاد من الكتاب المكمل ) هذا تواضع من الشيخ ، وإشارة إلى أنه حذا حذوه واقتفى أثره ، فالشيخ المحلي قدس الله روحه ، قد سن سنة حسنة لليخ السيوطي ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة . قوله : ( وعليه ) أي الشيخ أو الكتاب المكمل ، وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم ، و ( الاعتماد ) مبتدأ مؤخر ، وقوله : ( في الآي ) الخ ، متعلق بالاعتماد ( المعول ) معطوف على الاعتماد ، عطف مرادف . قوله : ( بعين الانصاف ) إما على حذف مضاف ، أي بعين صاحب الانصاف ، أو في الكلام استعارة بالكناية ، حيث شبه الانصاف بإنسان ذي عين ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو العين ، فإثباته تخييل واحترز بعين الانصاف من عين الاعتساف ، فإنها لا ترى محاسن أصلاً كما قال العارف : @ وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا @@ قوله : ( ووقف على خطأ ) أي اطلع عليه . قوله : ( فأطلعني ) أي دلني عليه وعرفني به . قوله : ( وقد قلت ) أي شاكراً لله سالكاً سبيل الاعتذار . قوله : ( إذ هداني ) أي لأجل هدايته لي . قوله : ( لما أبديت ) متعلق بهداني . قوله : ( فمن لي بالخطأ ) أي من يتكفل لي بإظهار الخطأ . قوله : ( فأرد عنه ) أي أجيب عنه أو أصلحه . قوله : ( ومن لي بالقبول ) أي من يبشرني بالقبول من الله لهذا التأليف ولو حرفاً ، لأن القبول من رحمة الله ومن رحمه لا يعذبه . قوله : ( هذا ) أي افهم وتأمل ما ذكرته لك . قوله : ( في خلدي ) بفتحتين معناه البال والقلب . قوله : ( لذلك ) أي لتأليف تلك التكملة . قوله : ( المسالك ) أي مسالك التفسير الذي هو أصعب العلوم ، لاحتياجه إلى الجمع بين المعقول والمنقول . قوله : ( وعسى الله ) هذا ترج من الشيخ رضي الله عنه ، وقد حقق الله رجاءه . قوله : ( جماً ) بفتح الجيم أي كثيراً . قوله : ( غلفاً ) أي معطاة ممنوعة من فهم علم التفسير لصعوبته قوله : ( عمياً ) أي لا تبصر ، فإذا نظرت فيه وتأملته فأرجو أن يزول عنها العمى لتبصره وتدركه . قوله : ( وآذاناً صماً ) أي فبسماعه يزول عنها الصمم ، وتصير مستمعة لدقائق التفسير . قوله : ( وكأني بمن اعتاد المطولات ) أي ملتبس بمن اعتاد ، فالباء للملابسة ، ويصح أن تكون بمعنى من ، والمعنى وكأني قريب ممن اعتاد الخ . قوله : ( وقد أضرب ) أي أعرض . قوله : ( وأصلها ) أي وهي قطعة الجلال المحلي . قوله : ( حسماً ) الحسم المنع والقطع ، وهو مفعول مطلق مؤكد لعامله المعني الذي هو أعرض ، كأنه قال وقد أعرض إعراضاً . قوله : ( وعدل ) أي مال . قوله : ( إلى صريح العناد ) من إضافة الصفة للموصوف ، أي العناد الصريح . قوله : ( ومن كان في هذه ) أي التكملة مع أصلها ، وفي بمعنى عن ، وقوله : ( أعمى ) اي معرضاً عنها ، وغير واقف على دقائقها ، وقوله : ( فهو في الآخرة ) المراد بها المطولات ، وقوله : ( أعمى ) أي غير فاهم لها ، وهو اقتباس من الآية الشريفة ، والاقتباس تضمين الكلام شيئاً من القرآن أو الحديث ، لا على أنه منه . قوله : ( رزقنا الله ) الخ ، هذا الضمير وما بعده لما كمل به . قوله : ( هداية ) أي وصولاً للمقصود . قوله : ( على دقائق كلماته ) أي القرآن . قوله : ( مع الذين أنعم الله عليهم ) المراد بالمعية أنه يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم ، وإن كان كل في منزلته . قوله : ( فرغ من تأليفه ) أي جمعه وتسويده بدليل قوله : ( وفرغ من تبييضه ) . قوله : ( سنة سبعين وثمانمائة ) أي وذلك بعد وفاة الجلال المحلي بست سنين . قوله : ( وفرغ من تبييضه ) أي تحريره ونقله من المسودة . قوله : ( سادس صفر ) أي فكانت مدة تحريره أربعة أشهر إلا أربعة أيام . قوله : ( السيوطي ) بضم السين نسبة لسيوط قرية بصعيد مصر ، واعلم أنه قد وجد بعد ختم هذه التكملة ، مما هو منقول عن خط السيوطي ما نصه : قال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الخطيب الطوخي ، أخبرني صديقي الشيخ العلامة كمال الدين المحلي الخ ، فليس من تأليف السيوطي ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، قال مؤلفه : وكان الفراغ من تسويد هذا الجزء . يوم الخميس المبارك ، ثالث عشر شعبان ، سنة خمس وعشرين ومائتين وألف من هجرة من له العز والشرف ، عليه أفضل الصلاة والسلام بمشهد الإمام الحسين رضي الله عنه تعالى عنه وعنا . يشير إلى اعتراض فيها بلطف ، ومصنف هذه التكملة كلما أورد عليه شيئاً يجيبه والشيخ يبتسم ويضحك . قال شيخنا الإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي مصنف هذه التكملة : الذي أعتقده وأجزم به ، أن الوضع الذي وضعه الشيخ جلال الدين المحليّ رحمه الله تعالى في قطعته ، أحسن من وضعي أنا بطبقات كثيرة ، كيف وغالب ما وضعته هنا مقتبس من وضعه ومستفاد منه ، لا مرية عندي في ذلك ، وأما الذي رئي في المنام المكتوب اعلاه ، فلعل الشيخ أشار به إلى المواضع القليلة التي خالفت وضعه فيها لنكتة وهي يسيرة جداً ، ما أظنها تبلغ عشرة مواضع ، منها : أن الشيخ قال في سورة ص : والروح جسم لطيف ، يحيا به الإنسان بنفوذه فيه ، وكنت تبعته أولاً ، فذكرت هذا الحد في سورة الحجر ، ثم ضربت عليه لقوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [ الإسراء : 85 ] الآية ، فهي صريحة في أن الروح من علم الله تعالى لا نعلمه ، فالإمساك عن تعريفها أولى ، ولذا قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في جميع الجوامع : والروح لم يتكلم عليها محمد صلى الله عليه وسلم فنمسك عنها . ومنها أن الشيخ قال في سورة الحج : الصابئون فرقة من اليهود ، فذكرت ذلك في سورة البقرة وزدت أو النصارى بياناً لقول ثان ، فإنه المعروف خصوصاً عند أصحابنا الفقهاء ، وفي المنهاج : وإن خالفت السامرة اليهود ، والصابئة النصارى في أصل دينهم حرمن ، وفي شروحه : أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن الصابئين فرقة من النصارى ، ولا أستحضر الآن موضعاً ثالثاً ، فكأن الشيخ رحمه الله تعالى يشير إلى مثل هذا ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .