Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 282-282)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ } هذه الآية من هنا إلى عليم أطول آي القرآن ، وقد اشتلمت على بيان إرشاد العباد لمصالح دنياهم ، وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة والدين المعاملة ، فحينئذ لا يتم إصلاح الآخرة إلا باصلاح الدنيا ، فبين هنا ما به إصلاح الدنيا . قوله : ( تعاملتم ) فسر المداينة بالمعاملة التي هي مفاعلة من الجانبين ، أي سواء كنت آخذاً أو مأخوذاً منك . قوله : { بِدَيْنٍ } حكمة التصريح به وإن علم من تداينتم ليعود الضمير في قوله فاكتبوه عليه صراحة ، وأيضاً لدفع توهم أن المراد بالمداينة المجازاة كقوله كما يدين الفتى يدان أي كما يجازي يجازى ، وأيضاً صرح به إشارة إلى عموم الدين قليلاً أو كثيراً جليلاً أو حقيراً ، فالمعنى لا تستخفون به . قوله : ( كسلم ) أي مسلم فيه كما إذا دفع عشرة دراهم مثلاً ليأتي له بقنطار من سمن عند أجل معلوم بينهما . وقوله : ( وقرض ) المراد به السلف . قوله : { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي وأما الحلال فلا يحتاج لكتابة ، لأنه ليس من المهمات ولمزيد المشقة قوله : ( معلوم ) أي فالجهل فيه مفسد للعقد إن كان مسلماً ، وأما السلف فيجوز فيه التأجيل والحلول فإن وقع على الحلول فلا بد عند مالك من مضي زمن يمكن انتفاعه به عادة ، وإن وقع على التأجيل فيلزم المقرض الصبر إلى الأجل عند مالك ، وعند الشافعي لا يلزمه الصبر إليه بل له أن يطلبه قبله . قوله : ( أستيشاقاً ) أشار بذلك إلى أن الأمر في الآية للإرشاد لا للوجوب ، كالأمر بالصلاة والصوم بحيث يعاقب على تركه . قوله : ( كتاب الدين ) أشار بذلك إلى أن مفعول يكتب محذوف . قوله : { بِٱلْعَدْلِ } أي ولا يكون إلا فقيهاً عدلاً ، ويشترط أن يكتب كلاماً معروفاً لا موهماً . قوله : { وَلاَ يَأْبَ } لا ناهية والفعل مجزوم بحذف الألف والفتحة دليل عليها وكاتب فاعل يأب ، وقوله : ( من ) { أَنْ يَكْتُبَ } قدر من إشارة إلى أن الجار والمجرور محذوف وهو مطرود من أن وإن عند أمن اللبس فهو في محل نصب مفعول ليأب . قوله : ( والكاف متعلقة بيأب ) أي تعليلية وما مصدرية وعبارة غيره والكاف متعلقة بلا يأب وهي الأوضح ، لأن من لم يعرف الوضع ولا الأحكام لا يتعلق به النهي ، والمعنى لا يمتنع كاتب من الكتابة من أجل تعليم الله له تلك الكتابة . قوله : ( تأكيد ) أي زيادة في الإيضاح . قوله : ( الكاتب ) مفعول أول ليملل ومفعوله الثاني قوله الدين ، قوله : ( يمل ) أشار بذلك إلى أن الأملاء والأملال لغتان يقال أمليته وأمللته بمعنى ألقيت عليه ذلك شيئاً فشيئاً ، ومن ذلك سميت الملة ملة لاملائها وإلقائها على رسول الله شيئاً فشيئاً والقراءة بالفك هنا ، ويصح في غير القرآن الادغام لقول ابن مالك : وفي جرم وشبه الجزم تخيير قفي . قوله : ( لأنه المشهود عليه ) أي فلا يكتب الكاتب إلا بحضرتهما لقطع النزاع بينهما . قوله : { وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } أي فلا يكتب كلاماً موهماً للزيادة أو النقص ، قوله : { وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } تفسير للتقوى وذلك كأن يكتب ألفاً ولم يبين كونه فضة أو محبوباً أو ريالاً أو غير ذلك أو عشرين محبوباً مثلاً ، ولم يبين كونها معاملة أو ذهباً أو غير ذلك . قوله : { فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } أي أو الذي له الحق ، قوله : ( مبذراً ) أي في أمور دنياه عند مالك أو في أمور دنياه ودينه عند الشافعي ، قوله : ( أو كبر ) أي مفرط بحيث لا يدري شيئاً أو كان من عليه الحق أنثى يخشى منها الفتنة فتولك محرمها . قوله : ( ومترجم ) أي إن كان لا يعرف اللغة العربية مثلاً ، قوله : { بِٱلْعَدْلِ } متعلق بقوله فليملل ، قوله : ( أشهدوا على الدين ) أشار بذلك إلى السين والتاء لتأكيد الطلب . قوله : { مِّن رِّجَالِكُمْ } متعلق بمحذوف صفة لشهيدين . قوله : ( أي بالغي المسلمين الأحرار ) أي العقلاء العدول ، فشهادة الصبيان لا تقبل في الأموال ولا فيما آل إليها ، وعند مالك تجوز شهادة الصبيان على بعضهم في الجراح ، وكذا لا تقبل شهادة العبيد ولا الكفار ولا المجانين ولا غير العدول ، ولكن إذا لم يوجد العدول فليستكثر من الشهود ، قوله : { فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ } أي في الأموال وما آل إليها ، فإذا لم يوجد الرجل كفى اليمين معهما كما يكفي اليمين معه وحده ، وهذا مذهب مالك والشافعي وأما أبو حنيفة فلا يكتفي باليمين مع باليمين مع الشاهد . قوله : { مِمَّن تَرْضَوْنَ } متعلق باستشهدوا فيؤخذ منه شرط العدالة في الجميع ، وقد صرح بالعدالة في مواضع ، أخر ، قوله ( وعدالته ) العدل هو من لم يفعل كبيرة ولا صغيرة خسة كتطفيف حبة ، ولا ما يخل بالمروءة كالأكل في الأسواق . قوله : ( وتعدد النساء الخ ) أشار بذلك إلى قوله إن قوله أن تضل متعلق بمحذوف جواب عن سؤال مقدر تقديره لم اشترط تعدد النساء مع أنهن شقائق الرجال ، أجيب بأنه لتذكر إحداهما الأخرى ، وإنما احتج للتذكار لأن شأنهن النسيان لنقص عقلهن وعدم ضبطهن . قوله : ( فتذكر ) معطوف على تضل عطف مسبب على سبب أو معلول على علة ، لأن التذكار علة للتعداد ، والاضلال علة للتذكار فهو علة للعلة ، قوله : ( ورفع تذكر ) أي بالتشديد لا غير ، فالقراءات ثلاث وكلها سبعية فعلى هذه القراءة تضل فعل الشرط وهو مجزوم بسكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الادغام ، قوله : ( استئناف ) أي خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة في محل جزم جواب الشرط ، أي فهي تذكر . قوله : ( لا يأب الشهداء ) أي لا يجوز للشهود الامتناع من أداء الشهادة أو تحملها ، لأنه فرض كفاية إن وجد من يثبت به الحق غيرهم وإن لم يوجد غيرهم كان التحمل أو الأداء فرض عين ، ومن تأخر عن ذلك كان عاصياً . قوله : ( من ) { أَن تَكْتُبُوهُ } أشار بذلك إلى أن قوله أن تكتبوه في تأويل مصدر مجرور بمن مقدرة معمول لتسأموا ، والمعنى : لا تسأموا من كتابته وظاهره لزوم تقديره من ، وليس كذلك لأن سئم يتعدى بنفسه وبحرف الجر فعلى عدم التقدير أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول لتسأموا . قوله : ( لكثرة وقوع ذلك ) علة للنهي أي لا يسأم من الكتابة من يكثر منه الحقوق فبالأولى من لم تكثر منه ، وظاهر قوله أي ما شهدتم عليه أن الضمير في تكتبوه عائد على الشهود وهو معنى صحيح فبين أولاً كتابة المتداينين ، وثانياً كتابة الشاهدين لشهادتهما لتكون تلك الكتابة مذكرة لهما ، ويصح أن يكون خطاباً للمتداينين ويؤول قول المفسر ما شهدتم بأشهدتم ، قوله : { صَغِيراً } ( كانْ ) قدر كان إشارة إلى أن صغيراً أو كبيراً خبران لكان المحذوف ، قال ابن مالك : @ ويحذفونها ويبقون الخبر وبعد إن ولو كثيراً ذا اشتهر @@ وليس بمتعين بل يصح جعلهما حالين من الهاء في تكتبوه ، قوله : ( أي الكتب ) أي المفهوم من أن تكتبوه على حد ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) . قوله : { وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ } هذا يؤيد ما ذكره المفسر أولاً من أن الضمير في تكتبوه عائد على الشهود . قوله : ( أي تشكوا في قدر الحق والأجل ) أي فيلزم على ذلك إما ضرر المدين أو من له الدين . قوله : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً } إما بالرفع على أن تكون تامة ، أو بالنصب على أنها ناقصة واسمها ضمير تكون قراءتان سبعيتان وحاضرة وتديرونها صفتان لتجارة ، وهو وصف بالجملة بعد الوصف بالمفرد ، عكس قوله تعالى : { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ } [ الأنعام : 92 ] والاستثناء يحتمل أن يكون متصلاً من عموم الأحوال ويحتمل أن يكون منقطعاً وهو الأقرب ، لأن ما بيع مناجزة ليس داخلاً تحت قوله إلى أجل مسمى ، الآية قوله : ( تقبضونها ) راجع لقوله تديرونها وقوله ولأجل فيها راجع لقوله حاضرة ، فهو لف ونشر مشوش ، قوله : ( أمر ندب ) أي إرشاد لمصالح الدنيا لقطع النزاع ، وهذا تقييد للاستثناء أي إن الاشهاد المذكور يكون في العقارات والأمور التي تبقى ، وأما الاستثناء فمحله الأمور التي لا تبقى ، قوله : ( صاحب الحق ) قدره إشارة إلى أن يضار اسم فاعل ، وكاتب فاعل ، وأصله يضارر ، فلا ناهية ويضار مجزوم بسكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الأدغام ، قوله : ( بتحريف ) أي من الكتابة بأن يزيد أو ينقص فيضر البائع أو المشتري ، وقوله : ( أو امتناع من الشهادة ) أي يتركها حتى يأخذ عليها جعلاً مثلاً وذلك إضرار من الكاتب ، والشهيد لصاحب الحق ، قوله : ( أو لا يضرهما صاحب الحق ) أي فيضار مبني للمفعول ، وكاتب وشهيد نائب الفاعل فأصله يضارر ، قوله : ( ما لا يليق في الكتابة ) أي بأن يأمره بكتابه ما لم يطلع عليه أو يمتنع من إعطاء أجرته له ، وقوله : ( والشهادة ) أي بأن يستشهد على ما لم يرد ويأخذه على مسافة القصر قهراً من غير دفع شيء له يتمون به . قوله : ( مانهيتم عنه ) أي من مضاره الكاتب والشاهد . قوله : { فَإِنَّهُ فُسُوقٌ } أي يترتب عليه الفسوق آخراً لأن من لم يدر العواقب فليس له في الدنيا صاحب ، قوله : ( لاحق ) { بِكُمْ } قدره إشارة إلى أن بكم متعلق بمحذوف ، قوله : ( أو مستأنفة ) الأولى الاقتصار عليه لأن جعله حالاً خلاف القاعدة النحوية ، فإن القاعدة أن الجملة المضارعية المثبتة إذا وقعت حالاً فإن الضمير يلزمها وتخلو من الواو ، ولا يصح أيضاً عطفها على جملة واتقوا الله لأنه يلزم عليه عطف الخبر على الانشاء وفيه خلاف ، وقوله : { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ } أي العلم النافع لأن العلم نور لا يهدي لغير المتقي ، قال الإمام الشافعي : @ شكوت إلى وكيع سوء حظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأعلمني بأن العلم نور ونور الله لا يهدي لعاصي @@ وقال الإمام مالك : من عمل بما علم ورثة الله علم ما لم يكن يعلم ، فالتقوى سبب لإعطاء العلم النافع . قوله : { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي فيجازي كلاً من الفاسق والمتقي على ما صدر منه .