Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-134)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَسَارِعُوۤاْ } أي بادروا . قوله : ( بواو ودونها ) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فعلى الواو تكون الجملة معطوفة على جملة واتقوا النار ، وعلى عدمها تكون الجملة استئنافية ، كأن قائلاً قال وما كيفية تقوى النار وبأي شيء يكون تقواها ، فأجاب بقوله سارعوا إلخ ، إن قلت : إن ما خالف الرسم العثماني شاذ فمقتضاه أن أحد القراءتين مخالف الرسم . أجيب : بأن المصاحف العثمانية تعددت ، فبعضها بالواو وبعضها بدونها ، ولا يرد هذا الإشكال إلا لو كان واحداً . قوله : { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } أي إلى أسبابها وهو الإنهماك في الطاعات والبعد عن المعاصي . قوله : { وَجَنَّةٍ } عطفها على المغفرة من عطف المسبب على السبب ، ومرادنا بالسبب الظاهري وإلا فالسبب الحقيقي هو فضل الله . قوله : ( كعرضهما ) أشار بذلك إلى أن في الكلام حذف مضاف وأداة التشبيه وقد صرح بهما في سورة الحديد ، قال تعالى : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الحديد : 21 ] واختلف هل هذا التشبيه حقيقي والمعنى لو بسطت السماوات كل واحدة بجانب الأخرى وكذلك الأرض ، لكان ما ذكر مماثلاً لعرض الجنة ، وأما طولها فلا يعلمه إلا الله ، وإنما لم يقل طولها لأنه لا يلزم من سعة الطول سعة العرض بخلاف العكس ، وهذا تفسير ابن عباس ، أو مجازي وهو كناية عن عظم سعتها ، وإلا فالسماوات والأرض لو اتصلت بعضها ببعض كان ما ذكر أقل مما يعطاه أبو بكر الصديق فضلاً عن غيره ، لما ورد أن جبريل يسير بأجنحته الستمائة في ملكه شهراً . إذا علمت ذلك ، فالمناسب للمفسر أن يقول أو العرض السعة ليفيد أنه تفسير آخر . قوله : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } أي هيئت وأحضرت وقدم هذا الوصف لأن مستلزم لجميع الأوصاف ، والمتقين جمع متق وهو المنهمك في الطاعات المجتنب المعاصي . قوله : ( اليسر والعسر ) أي الرخاء والشدة وذلك لثقته بربه واعتماده عليه ، فينفق في كل زمن على حسب حاله فيه قليلاً أو كثيراً ولا يستخف بالصدقة ، ففي الحديث : " اتقوا النار ولو بشق تمرة " وفي رواية " ولو بظلف محرق " . قوله : { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } أي وهو نارية تحل في القلب تظهر آثارها على الجوارح . قوله : ( الكافين على إمضائه مع القدرة ) أي الكاتمين الغضب مع القدرة على العمل بمقتضاه بظواهرهم وبواطنهم ، وكظم الغيظ من أعظم العبادة ، ورد من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمناً وإيماناً ، إن قلت : ورد عن الشافعي أنه قال من استغضب ولم يغضب فهو حمار فمقتضاه أنه مذموم ومقتضى الآية أنه من المتقين ، أجيب : بأن كلام الشافعي يحمل على إذا ما رأى حرمات الله تفعل ولم ينه عنها ولم يغضب لأجلها ، وقد اتفق للإمام الحسن زمن خلافته وكان حليماً جداً أن رجلاً قدم عليه ليمتحنه فصار يسبه ويتكلم فيه وهو يبتسم ، فقال له الرجل إن شتمتني واحدة شتمتك مائة ، قال له الحسن إن شتمتني مائة ما شتمتك واحدة فوقع على قدمه وقبلها وقال أشهد أنك على خلق رسول الله . قوله : { وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } عطف على الكاظمين من عطف العام على الخاص ، لأن العفو أعم من أن يكون معه كظم غيظ أو لا ، كما إذا سبه وهو غائب فبلغه ذلك فعفا عنه من غير أن يستفزه الغضب ، واتفق للإمام زين العابدين أن جاريته كانت تصب عليه ماء الوضوء ، فسقط الإبريق على رأسه فشج وجهه فرفع بصره لها فقالت له والكاظمين الغيظ ، فقال كظمت غيظي ، فقالت والعافين عن الناس فقال عفوت عنك ، فقالت والله يحب المحسنين ، فقال أنت حرة لوجه الله .