Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-56)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } إلخ ، هذه الآية نزلت في شأن وليمة زينب بنت جحش ، حين بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أنس بن مالك قال : كنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، وكان أول ما أنزل في بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، حين أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروساً ، فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا ، وبقي رهط عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج ، وخرجت معه لكي يخرجوا ، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت ، حتى جاء عتبة حجرة عائشة ، ثم ظن أنهم قد خرجوا ، فرجع ورجعت معه ، حتى إذا دخل على زينب ، فإذا هم جلوس لم يقوموا ، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت ، حتى إذا بلغ حجرة عائشة ، وظن أنهم قد خرجوا ، فرجع ورجعت معه ، فإذا هم قد خرجوا ، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه الستر ، وأنزل الحجاب . قوله : { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } أي إلا بسبب الإذن لكم . { إِلَىٰ طَعَامٍ } متعلق بيؤذن لتضمينه معنى يدعى كما قدره المفسر . قوله : ( فتدخلوا ) { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } هذا التقدير غير مناسب ، لأنه يقتضي أن الدخول مع الإذن ، لا يجوز معه انتظار نضج الطعام ، مع أنه يجوز ، فالمناسب حذف هذا التقدير ، إذ هذه الآية نزلت في قوم كانوا يدخلون من غير إذن ، وينتظرون نضج الطعام ، فنهاهم الله عن كل من الأمرين . والحاصل : أن أسباب النزول في هذه الآيات تعددت ، منها : أن قوماً كانوا يدخلون بيوت النبي بغير دعوى وينتظرون نضج الطعام ، ومنها : أن قوماً كانوا يدخلون بإذن ويتخلفون بعدها طعموا مستأنسين لحديث ، ومنها : مؤاكلة الأجانب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضور زوجاته ، فنزلت آية الحجاب ، ونهى عن ذلك كله ، وهذه آيات الحجاب الخصوص أمهات المؤمنين ، وأما لعموم الأمة ، فقد تقدم في سورة النور تأمل . قوله : ( مصدر أنى يأنى ) أي من باب رمى ، وقياس مصدر أنى ، لكن لم يسمع ، وإنما المسموع إنى بالكسر والقصر . قوله : { فَإِذَا طَعِمْتُمْ } أي أكلتم الطعام . قوله : { فَٱنْتَشِرُواْ } أي اذهبوا حيث شئتم في الحال ، ولا تمكثوا بعد الأكل والشرب . قوله : { وَلاَ } ( تمكثوا ) { مُسْتَأْنِسِينَ } أشار بذلك إلى أن { مُسْتَأْنِسِينَ } حال من محذوف ، وذلك المحذوف معطوف على انتشروا . قوله : { كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ } أي لتضييقه عليه . قوله : { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ } أي من إخراجكم . قوله : { وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ } المراد بالحق إخراجكم من منزله ، وأطلق الاستحياء في حق الله ، وأريد لزمه وهو ترك البيان . قوله : ( بياء واحدة ) أي قراءة شاذة في الثاني . قوله : { فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } روي أن عمر قال : يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فنزلت ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل منهم عائشة ، وهي تأكل معهم ، فكره النبي ذلك ، فنزلت هذه الآية . قوله : { ذٰلِكُمْ } أي ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن ، وعدم الاستئناس للحديث ، وسؤال المتاع من وراء الحجاب . قوله : ( من الخواطر المريبة ) أي أنفى وأبعد لدفع الريبة والتهمة ، وهو يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة ، مع من لا تحل له ، فإنه مجانبة ذلك أحسن لحاله وأحصن لنفسه . قوله : { وَمَا كَانَ لَكُمْ } أي ما صح وما استقام لكم ، وقوله : { أَن تؤْذُواْ } وهو اسم { كَانَ } ، و { لَكُمْ } خبرها ، و { أَن تَنكِحُوۤاْ } عطف على اسم { كَانَ } نزلت هذه الآية في رجل من الصحابة يقال له طلحة بن عبيد الله ، قال في سره : إذا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نكحت عائشة ، ثم ندم هذا الرجل ، ومشى على رجليه ، وحمل على عشرة أفراس في سبيل الله ، وأعتق رقبة ، فكفر الله عنه . قوله : { مِن بَعْدِهِ } أي بعد وفاته أو فراقه ، ولو قبل الدخول بها ، لأم كل من عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأبد تحريمها على أمته ، وأما إماؤه فلا يحرمن على غيره إلا بمسه لهن . قوله : { إِنَّ ذٰلِكُمْ } أي ما ذكر من إيذائه ونكاح أزواجه من بعده . قوله : { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً } أي تظهروه على السنتكم ، وقوله : { أَوْ تُخْفُوهُ } أي في صدوركم ، وقوله : ( فيجازيكم عليه ) جواب الشرط ، وقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } تعليل للجواب وهو بمعنى قوله تعالى : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ } [ البقرة : 284 ] . قوله : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ } إلخ ، هذا في المعنى مستثنى من قوله : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً } الآية ، روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال آباؤهن وآبناؤهن : يا رسول الله أو نكلمهن أيضاً من وراء حجاب ، فنزلت هذه الآية . وقوله : { فِيۤ آبَآئِهِنَّ } أي أصولهن وإن علوا ، وقوله : { وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ } المراد فروعهن وإن سفلوا . قوله : { وَلاَ نِسَآئِهِنَّ } . الإضافة من حيث المشاركة في الوصف وهو الإسلام ، فقول المفسر ( أي المؤمنات ) تفسير للمضاف ، ومفهومه أن النساء الكافرات ، لا يجوز لهن النظر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك ، ولا مفهوم لأزواج النبي ، بل جميع النساء المسلمات كذلك ، فلا يحل للمسلمة أن تبدي شيئاً منها للكافرة ، لئلا تصفها لزوجها الكافر . قوله : { وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ } عطف على محذوف ، والتقدير امتثلن ما أمرتن به ، واتقين الله ، وحكمة تخصيص الحجاب هنا بأمهات المؤمنين ، وإن تقدم في سورة النور عموماً دفع توهم أن أزواج النبي كالأمهات من كل وجه ، فأفاد هنا أنهن كالأمهات في التعظيم والتوقير ، لا في الخلوة والنظر ، فإنهن كالأجانب بل هن أشد ، فذكر لهن حجاباً مخصوصاً ، فلا يقال إنه مكرر مع ما تقدم في النور . قوله : ( لا يخفى عليه شيء ) أي من الطاعات والمعاصي الظاهرة والخفية . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ } إلخ ، هذه الآية فيها أعظم دليل على أنه صلى الله عليه وسلم مهبط الرحمات ، وأفضل الخلق على الإطلاق ، إذ الصلاة من الله على نبيه ، ورحمته المقرونة بالتعظيم ، ومن الله على غير النبي مطلق الرحمة ، لقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ الأحزاب : 43 ] فانظر الفرق بين الصلاتين ، والفضل بين المقامين . قوله : { وَمَلاَئِكَـتَهُ } بالنصب معطوف على اسم { إِنَّ } ، وقوله : { يُصَلُّونَ } خبر عن الملائكة ، وخبر لفظ الجلالة محذوف تقديره : إن الله يصلي وملائكته يصلون ، وهذا هو الأتم لتغاير الصلاتين ، والمراد بالملائكة جميعهم ، والصلاة من الملائكة الدعاء للنبي بما يليق به ، وهو الرحمة المقرونة بالتعظيم ، وحينئذ فقد وسعت رحمة النبي كل شيء ، تبعاً لرحمة الله ، فصار بذلك مهبط الرحمات ، ومنبع التجليات . قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } أي ادعوا له بما يليق به ، وحكمة صلاة الملائكة والمؤمنين على النبي تشريفهم بذلك ، حيث اقتدوا بالله في مطلق الصلاة ، وإظهار تعظيمه صلى الله عليه وسلم ، ومكافأة لبعض حقوقه على الخلق ، لأنه الواسطة العظمى في كل نعمة وصلت لهم ، وحق على من وصل له نعمة من شخص أن يكافئه ، فصلاة جميع الخلق عليه ، مكافأة لبعض ما يجب عليهم من حقوقه . إن قلت : إن صلاتهم طلب من الله أن يصلي عليه ، وهو مصل عليه مطلقاً طلبوا أو لا ؟ أجيب : بأن الخلق لما كانوا عاجزين عن مكافأته صلى الله عليه وسلم ؛ طلبوا من القادر المالك أن يكافئه ، ولا شك أن الصلاة الواصلة للنبي صلى الله عليه وسلم من الله لا تقف عند حد ، فكلما طلبت من الله ، زادت على نبيه ، فهي دائمة بدوام الله . قوله : { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } إن قلت : خص السلام بالمؤمنين ، دون الله والملائكة . أجيب بأن هذه الآية لما ذكرت عقب ذكر ما يؤذي النبي ، والأذية إنما هي من البشر ، فناسب للتخصيص بهم ، لأن في السلام سلامة من الآفات ، وأكد السلام دون الصلاة ، لأنها لما أسندت لله وملائكته ، كانت غبية عن التأكيد . واعلم أن العلماء اتفقوا على وجوب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلفوا في تعيين الواجب ، فعند مالك تجب الصلاة والسلام في العمر مرة ، وعند الشافعي تجب في التشهد الأخير من كل فرض ، وعند غيرهما تجب في كل مجلس مرة ، وقيل : تجب عند ذكره ، وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد ، وبالجملة فالصلاة على الني أمرها عظيم ، وفضلها جسيم ، وهي من أفضل الطاعات ، وأجل القربات ، حتى قال بعض العارفين : إنها توصل إلى الله تعالى من غير شيخ ، لأن الشيخ والسمد فيها صاحبها ، لأن تعرض عليه ، ويصلى على المصلي بخلاف غيرها من الأذكار ، فلا بد فيها من الشيخ العارف ، وإلا دخلها الشيطان ، ولم ينتفع صاحبها بها . قوله : ( أي قولوا اللهم صلِّ على محمد وسلم ) أي اجمعوا بين الصلاة والسلام ، وصيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تحصى وأفضلها ما ذكره فيه لفظ الآل والصحب ، فمن تمسك بأي صيغة منها ، حصل له الخير العظيم .