Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 72-73)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } اختلف في المراد بالأمانة ، فأحسن ما قيل فيها : إنها التكاليف الشرعية ، وقيل : إنها قواعد الدين الخمس ، وقيل : هي الودائع ، وقيل : الفرج ، وقيل : غير ذلك ، روي أن الله تعالى قال للسماوات والأرض والجبال : أتحملن هذه الأمانة بما فيها ؟ قلن : وما فيها ؟ قال : إن أحسنتن جوزيتن ، وإن عصيتن عوقبتن ، قلن : لا يا رب نحن مسخرات لأمرك ، لا نريد ثواباً ولا عقاباً ، وقلن ذلك خوفاً وخشية وتعظيماً لدين الله لئلا يقمن بها ، لا معصية ولا مخالفة لأمره ، وكان العرض عليهن تخييراً لا إلزاماً ، ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها . قوله : ( من الثواب ) بيان لما ، أي عرضناها مع الثواب والعقاب على السماوات إلخ . قوله : ( بأن خلق فيها فهماً ) أي حتى عقلت الخطاب ، وقوله : ( ونطقاً ) أي حتى ردت الجواب . قوله : { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } أي استصغاراً أو خوفاً من عدم الوفاء بها ، فليس إباؤهن كإباء إبليس من السجود لآدم ، لأن السجود كان فرضاً ، والأمانة كانت عرضاً ، وإباؤه استكباراً ، وإباؤهن استصغاراً . قوله : { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } أي خفن من عدم القيام بها وعدم أدائها . قوله : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } عطف على محذوف تقديره فعرضناها على الإنسان فحملها . قوله : ( بعد عرضها عليه ) روي أن الله عز وجل قال لآدم : إن عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها . فهل أنت آخذ بما فيها ؟ قال : يا رب وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جوزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فحملها آدم فقط : بين أذنب وعاتقي ، قال الله تعالى : أما إذا تحملت فسأعينك ، وأجعل لبصرك حجاباً ، فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل ، فأرخ عليه حجابه ، وأجعل للسانك لحيين وغلاقاً ، فإذا خشيت فأغلق عليه ، واجعل لفرجك لباساً ، فلا تكشفه على ما حرمت عليك ، قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها ، وبين أن أخرج من الجنة ، إلا مقدار ما بين الظهر إلى العصر . قوله : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } ( لنفسه ) أي حيث حملها ما لا تطيقه ، وقوله : { جَهُولاً } ( به ) أي بما حمله ، وقيل مجهولاً بقدر ربه ، لأنه لا يعلم قدر غيره ، وهذا يناسب تفسير الإنسان بآدم ، وعود الضمير عليه ، وإن أريد بالضمير ما يشمله وأولاده ، فيكون في الكلام استخدام ، فيقال في الأنبياء والصالحين منهم كذلك ، وفي غيرهم الظلم والجهل ، من حيث خيانته في الأمانة ومجاوزته حد الشرع . قوله : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ } اللام للعاقبة والصيرورة على حد { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] . قوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } ( للمؤمنين ) أي حيث عفا عما سلف منهم . قوله : { رَّحِيماً } ( بهم ) أي حيث أثابهم وأكرمهم بأنواع الكرامات ، وحكمة اخبار الأمة بما حصل من تحمل آدم الأمانة ليكونوا على أهبة ، ويعرفوا أنهم متحملون أمراً عظيماً لم تقدر على حمله الأرض والسماوات والجبال ، وقيل في حق المعصوم : إنه كان ظلوماً جهولاً .