Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سورة النساء مدنية مائة وخمس أو ست أو سبع وسبعون آية مدنية أي كلها ، وإن خوطب بمطلعها أهل مكة ، لأن القاعدة أنه متى قيل في القرآن { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } كان خطاباً لأهل مكة ، ومتى قيل { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } كان خطاباً لأهل المدينة . قوله : ( وخمس أو ست ) أو لتنويع الخلاف فهي مائة وسبعون جزماً والخلاف فيما زاد . قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الخطاب للمكلفين عموماً ، ذكوراً وإناثاً ، إنساً أو جناً ، لأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وليس مخصوماً بمن كان موجوداً وقت النزول ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، قال تعالى : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } [ الإسراء : 106 ] . قوله : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه ، ولذلك يحصل بالإسلام ، فإنّ المسلم العاصي قد اتقى الشرك وهو أعظم المنهيات بالإيمان وهو أعظم المأمورات ، لكن يقال لها تقوى عامة ، وتقوى الخواص هي الانهماك في طاعة الله ، وعدم الشغل بغيره ولو مباحاً ، والآية صادقة بهذه المراتب كلها . قوله : { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } تأكيد للأمر المتقدم ، فالمعنى اتَّقوا الله لأنه مالككم ومربيكم ، ومن أوصافه أنه خلقكم وأنشأكم من نفس واحدة ، فمن كان بهذه الصفات فهو أحق بأن يتقى ، لأنه لا استغناء عنه ، بل كان من خلقه مفتقر إليه في كل لمحة وطرفة ولحظة ، وفي ذلك إشارة إلى أن التقوى تكون في حق بعضنا بعضاً لأن أصلنا واحد ، فواجب علينا اتقاء ربنا لأنه الخالق لنا ، واتقاء بعضنا بعضاً لأننا كلنا من أصل واحد . قوله : { وَخَلَقَ مِنْهَا } أي من تلك النفس الواحدة . قوله : { زَوْجَهَا } يقال في الأنثى زوج وزوجة ، والأفصح الأول . قوله : ( حوّاء ) بالمد سميت بذلك لأنها خلقت من حي . قوله : ( من ضلع من أضلاعه ) أي بعد أن أخذه النوم ولا يشعر بذلك ولم يتألم ، فلما استيقظ من النوم وجدها فمال إليها فأراد أن يمد يده إليها ، فقالت له الملائكة معه يا آدم حتى تؤدي مهرها ، قال فما مهرها ؟ قالوا حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية ثلاثة صلوات ، وفي رواية سبعة عشر ، وفي ذلك إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام الواسطة لكل موجود حتى أبيه آدم . إن قلت : حيث كانت حواء مخلوقة من ضلع آدم فهي أخت لأولاده ، فمقتضاه أنه يحل لكم يخلق منها التزوج بها في شرعه . أجيب : بأن تفرع حواء من آدم فهي أخت لأولاده ، فمقتضاه أنه يحل لمن يخلق منها التزوج بها في شرعه . أجيب : بأن تفرع حواء من آدم ليس كتفرع الولد من الوالد ، بل نباتها من الضلع كما تنبت النخلة من النواة ، فلا يحكم عليها بأنها بنت آدم ويقال لها أخت أولاده ، بل هي أمهم لا غير ، واختلف هل كان خلق حزاء خارج الجنة ، وبه قال جماعة ، وقال ابن عباس وجماعة أنه كان دتخل الجنة ، ولا مانع من كونه أخذه النوم فيها ، لأن الممنوع النوم بعد دخولها يوم القيامة . قوله : { وَنِسَآءً } ( كثيرة ) أشار بذلك إلى أن في الآية اكتفاء ، ورد أن حواء حملت من آدم عشرين بطناً ، أو أربعين بطنا في كل بطن ذكر وأنثى ، وكان يزوج ذكر هذه البطن لأنثى البطن الأخرى ، فنزلت اختلاف البطون منزلة اختلاف الآباء والأمهات ، وما مات حتى اجتمع من ذريته مباشرة وبواسطة فوق المائة ألف يشتغلون بأنواع الصنائع والتجارة . قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } معطوف على قوله : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } . قوله : { ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ } أي يقسم بعضكم على بعض لأنه عظيم جليل ، فحيث كان كذلك فهو أحق بأن يتقى . قوله : ( فيه إدغام التاء الخ ) أي فأصله تتساءلون بهن قلبت التاء سيناً ثم أدغمت في السين وإنما قلبت التاء سيناً لقرب مخرجيهما . قوله : ( يحذفها ) أي التاء الثانية وحذفت تخفيفاً . قال ابن مالك : وما بتاءين ابتدى قد يقتصر فيه على تا كتبين العبر قوله : ( حيث يقول بعضكم الخ ) أي فيدخل الحمى ولا يتعرض له ، وكان ذلك في الجاهلية ، والمعنى اتقوا الله لأنه ربكم وخالقكم من نفس واحدة ، ولأنه عظيم يقسم به وتقضى الحوائج باسمه . قوله : { وَٱلأَرْحَامَ } هكذا بالنصب معطوف على لفظ الجلالة ، والعامل فيه اتقوا ، ولذا قدره المفسر ، وقوله : ( أن تقطعوها ) إشارة إلى أن الكلام على حذف مضاف تقديره واتقوا قطع الأرحام لما في الحديث : " الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ، ومواصلة الأرحام تختلف باختلاف الناس ، فمنهم الغني والفقير ، فالواجب على الغني المواصلة بالهدايا والتحف والكلام اللين ، وعلى الفقير باللين والسعي لهم ومعاشرتهم بالمعروف ، ولا فرق بين الأحياء والأموات " . قوله : ( وفي قراءة بالجر ) أي مع تخفيف تساءلون وهي لحمزة ، وأما قراءة النصب فبالتشديد والتخفيف ، فالقراءات ثلاثة وكلها سبعية . قوله : ( عطفا على الضمير في به ) أي من غير عود الخافض ، وهي وإن كانت لغة فصيحة إلا أنها خلاف الكثير ، وقد أشار لذلك ابن مالك بقوله : @ وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازماً قد جعلا وليس عندي لازماً إذ قد أتى والنظم والنثر الصحيح مثبتا @@ فأشار بالنثر الصحيح إلى الآية ، والنظم إلى قول الشاعر : @ قد بدت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب @@ بجر الأيام . قوله : ( وكانوا يناشدون بالرحم ) هذا مرتب على القراءة الثانية ، أي فالمعنى اتّقوا الله لأنكم تناشدون به ، واتقوا الأرحام لأنكم تناشدون بها ، ومن التناشد بها قول هارون لأخيه موسى صلوات الله وسلامه عليهما : " يا ابن آم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي " . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } هذا تعليل لقوله : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } والرقيب لغة من ينظر في الأمور ويتأمل فيها ، واصطلاحاً الحفيظ الذي لا يغيب عن حفظه شيء ، وهذا المعنى هو المراد في حق الله تعالى . قوله : ( حافظاً لأعمالكم ) أي جميعها خيرها وشرها ، سرها وجهرها ، قال تعالى : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } [ الرعد : 10 ] { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } [ غافر : 19 ] . قوله : ( أي لم يزل متصفاً بذلك ) جواب عن سؤال مقدر تقديره أن لفظ كان يفيد الانقطاع ، فيفيد أن الله اتّصف بالحفظ فيما مضى وانقطع ، فأجاب بأن كان هنا للاستمرار ، أي هو متصف بذلك أزلاً أبدياً . وقوله : ( ونزل في يتيم ) أي بحسب ما كان ، وإلا فوقت طلبه رشيداً . قوله : " طلب من وليه ) أي وكان عماً لذلك اليتيم . قوله : ( فمنعه ) أي فلما منعه شكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية ، فلما سمعها الولي قال أطعت الله وأطعت رسوله ، ونعوذ بالله من الحوب الكبير .