Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-3)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سورة الحجرات مدنية وهي ثمان عشرة آية أي بالإجماع ، وهذه أوائل السور المسماة بالمفصل ، واختلف في تسميته بذلك ، فقيل : لكثرة الفصل فيه بين السور ، وقيل : لكون جميعه محكماً لا نسخ فيه ، قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ذكر هذه اللفظة في هذه السورة خمس مرات ، اعتناء بشأن المؤمنين في الأوامر والنواهي ، نظير خطابات لقمان لابنه في قوله : { يٰبُنَيَّ } [ لقمان : 16 ] ولئلا يتوهم أن المخاطب ثانياً غير المخاطب أولاً ، وذكر { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [ الحجرات : 13 ] مرة خطابا لما يعم المؤمن والكافر ، لمناسبة ما يترتب عليه من قوله تعالى { إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [ الحجرات : 13 ] وهذه السورة جمعت آداباً ظاهرية وباطنية ، وأوامر ونواهي ظاهرية وباطنية ، عامة وخاصة ، فهي متضمنة طريقة الصوفية التي من تمسك بها وصل . قوله : ( من قدم بمعنى تقدم ) العامة على ضم التاء وفتح القاف وتشديد الدال مكسورة ، وفيها وجهان أحدهما : إنه متعد حذف مفعوله اقتصاراً كقولهم : هو يعطي ويمنع ، وكلوا واشربوا ، والأصل لا تقدموا ما لا يصلح ، والثاني : أنه لازم نحو وجه وتوجه ، ويعضده قراءة ابن عباس والضحاك { لاَ تُقَدِّمُواْ } بالفتح في الثلاثة ، والأصل لا تتقدموا ، فحذفت إحدى التائين ، وفي الآية استعارة تمثيلية ، حيث شبه تجري الصحابة على الحكم ، في أمر من أمور الدين ، بغير إذن من الله ورسوله ، بحالة من تقدم بين يدي متبوعه إذا سار في طريقه من غير إذن ، فإنه في العاة مستهجن ، ثم استعمل في في جانب المشبه ما كان في جانب المشبه به من الألفاظ ، والغرض التنفير من التجري بغير إذن الله ورسوله ، ومثله قوله تعالى في حق الملائكة { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } [ الأنبياء : 27 ] أصله لا يسبق قولهم قوله ، فمدحهم بنفي السبق ، تنبيهاً على استهجان السبق ، أو المراد بين يدي رسول الله ، وذكر لفظ الله تعظيماً للرسول ، وإشعاراً بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله ، وعلى هذا فلا استعارة . قوله : ( بقول أو فعل ) مثال القول ما ذكره المفسر في سبب النزول أيضاً ، من أنهم ذبحوا يوم النحر قبل رسول الله ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح . وقال : من ذبح قبل الصلاة ، فإنما هو لحم عجله لأهله ، ليس من النسك في شيء ، وما ورد عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك ، أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم ، وقال الضحاك : وهو عام في القتال وشرائع الدين ، أي لا تقطعوا أمراً دون الله ورسوله ، وهو الأولى . قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي في التقدم الذي نهاكم عنه . قوله : ( على النبي ) الأولى أن يقول عند النبي ، ففي الحديث ، أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا أن يؤمر عليهم واحداً منهم ، فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا أي تخاصما ، حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت تلك الآيات الخمس إلى قوله : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ومعنى قول عمر : ما أردت مخالفتك تعنتاً ، وإنما أردت أن تولية الأقرع أصلح بهم ، ولك يظهر لك ذلك . قوله : ( ونزل فيمن رفع صوته ) الخ ، كأبي بكر وعمر في القصة المذكورة ، كما أن قوله : ( ونزل فيمن كان يخفض صوته عند النبي ) أي كأبي بكر وعمر ، حين بلغهما النهي عن رفع الصوت ، فصار يخفضان صوتهما عند النبي ، كما أن قوله : ( ونزل في ) الخ ، هم بنو تميم الذين تكلم في شأنهم أبو بكر وعمر ، فتلخص أنه لما اختلف أبو بكر وعمر في تأمير الأمير على الوفد المذكور ، ولم يصبرا حتى يكون رسول الله هو الذي يشير بذلك ، نزل قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الآية ، ولما رفعا أصواتهما في تلك القضية ، نزل قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ } الآية ، ولما خفضا أصواتهما بعد ذلك نزل { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ } الآية ، ولما نادى الركب المذكور النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات نزل { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } [ الحجرات : 4 ] الآيتين . قوله : ( إذا نطقتم ) أي تكلمتم ، وقوله : ( إذا نطق ) أي تكلم . قوله : { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ } لما كانت هذه الجملة كالمكررة مع ما قبلها ، مع أن العطف يأباه ، أشار المفسر إلى أن المراد بالأول ، إذا نطق ونطقتم ، فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم حداً يبلغه صوته ، بل يكن كلامكم دون كلامه ، والمراد بالثاني أنكم إذا كلمتموه وهو صامت ، فلا ترفعوا أصواتكم ، كما ترفعونها فيما بينكم . قوله : ( ناجيتموه ) أي كلمتموه وهو صامت . قوله : ( بل دون ذلك ) راجع لكل من النهيين ، أي بل اجعلوا أصواتكم دون صوته ، ودون جهر بعضكم لبعض ، وقوله : ( إجلالاً له ) تعليل لما تضمنه قوله : ( بل دون ذلك ) . قوله : { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } أي يبطل ثوابها ، وقوله : { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أي بحبوطها . قوله : ( أي خشية ذلك ) أشار إلى { أَن تَحْبَطَ } على حذف مضاف ، أي خشية الحبوط ، والخشية منهم وقد تنازعه ، لا ترفعوا ولا تجهروا ، فيكون مفعولاً لأجله ، والعامل فيه الثاني أو الأول . قوله : ( بالرفع والجهر ) الباء سببية متعلقة باسم الإشارة ، لأنه واقع على الحبوط ، فكأنه قال : أي خشية الحبوط بسبب الرفع والجهر ، لأن في الرفع والجهر استخفافاً بجانبه ، فيؤدي إلى الكفر المحبط ، وذلك إذا انضم له قصد الإهانة وعدم المبالاة . روي أنه لما نزلت هذه الآية ، قعد ثابت في الطريق يبكي ، فمر به ابن عدي فقال : ما يبكيك يا ثابت ؟ قال : هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في ، وأنا رفيع الصوت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أخاف أن يحبط عملي ، وأن أكون من أهل النار ، فمضى عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلب ثابتاً البكاء ، فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي سلول فقال لها : اذهب فادعه لي ، فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فيه فلم يجده ، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرش فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك ، فقال : اكسر الضبة ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره قال : فادعه لي ، فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فيه فلم يجده ، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرش فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك ، فقال : اكسر الضبة ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يبكبك ؟ فقال : أنا صيّت ، وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تعيش حميداً ، وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة ؟ فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله ، لا أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً ، فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ } الآية ، قال أنس : فكنا ننظر إلى رجل من أهل الجنة يمشي بين أيدينا ، فلما كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة ، رأى ثابت من المسلمين بعد انكسار ، وانهزمت طائفة منهم ، قال : أف لهؤلاء ، ثم قال ثابت لسالم مولى حذيفة : ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا ، ثم ثبتا وقاتلا حتى قتلا ، واستشهد ثابت لسالم مولى حذيفة : ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا ، ثم تبتا وقاتلا حتى قتلا ، واستشهد ثابت وعليه درع ، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام وأنه قال له : اعلم أن فلاناً رجل من المسلمين ، نزع درعي فذهب بها ، وهي في ناحية من العسكر ، عند فرس يستن في طيله ، وقد وضع على درعي برمة ، فائت خالد بن الوليد فأخبره حتى يسترد درعي ، وائت أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قل له : إن علي ديناً حتى يقضي عني ، وفلان من رقيقي عتيق ، فأخبر الرجل خالداً ، فوجد الدرع والفرس على ما وصفه ، فاسترد الدرع ، وأخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا ، فأجاز أبو بكر وصيته ، قال مالك بن أنس : لا أعلم وصية أجيزت بعد موت صاحبها إلا هذه . قوله : ( فيمن كان يخفض صوته ) أي مخالفة النهي السابق ، وإجلالاً وتعظيماً . قوله : ( كأبي بكر وعمر ) الخ ، أي فكان الجميع يخفضون أصواتهم عند رسول الله ، إجلالاً له وتعظيماً . قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ } الخ ، اسم الإشارة مبتدأ ، والموصول بعد خبره ، والجملة خبر { إِنَّ } وجملة { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } مستأنفة لبيان ما أعد لهم . قوله : { ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الامتحان افتعال ، من محنت الأديم محناً أوسعته ، ومعنى { ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } ووسعها . قوله : ( أي لتظهر منهم ) أي فإنها لا تظهر ، إلا بالاصطبار على أنواع المحن والتكاليف الشاقة ، فالاختبار يظهر ما كان كامناً في النفس من التقوى ، كما أن سماع الألحان ، يظهر ما كان كامناً في النفس من الحب فتدبر . قوله : ( ونزل في قوم ) أي وهم وفد بني تميم .