Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 67-69)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ } سبب نزولها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث ضاق ذرعاً لعلمه أن قوماً يكذبونه ولا بد ، فنزلت الآية تسلية له ، وفي ندائه بيا أيها الرسول شهادة له بالرسالة ، وأل في الرسول للعهد الحضوري ، أي الرسول الحاضر وقت نزولها ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم . قوله : ( جميع ) قدره إشارة إلى أن ما اسم موصول بمعنى الذي ، ولا يصح تقديره نكرة ، لأنه يصدق بتبلي البعض مع أنه غير مكلف ، واعلم أن ما أوحي إلى رسول الله ، ينقسم إلى ثلاثة أقسام : ما أمر بتبليغه وهو القرآن والأحكام المتعلقة بالخلق عموماً فقد بلغه ولم يزد عليه حرفاً ولم يكتم منه حرفاً ولو جاز عليه الكتم لكتم آيات العتاب الصادرة له من الله ، كآية عبس وتولى ، وآية ما كان لنبي أن يكون له أسرى ، وسورة تبت يدا أبي لهب ، ولفظ قل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، وقد شهد الله له بتمام التبليغ ، حيث أنزل قبيل وفاته { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] وورد أنه قال لعزرائيل حيث قبض روحه : اقبض فقد بلغت ، وما أمر بكتمه فقد كتمه ولم يبلغ منه حرفاً ، وهو جميع الأسرار التي لا تليق بالأمة ، وما غير في تبليغه وكتمه ، فقد كتم البعض وكتم وبلغ البعض ، وهو الأسرار التي تليق بالأمة ، ولذا ورد عن أبي هريرة أنه قال : أعطاني حبيبي جرابين من العلم ، لو بثثت لكم أحدهما لقطع مني هذا الحلقوم . قوله : ( خوفاً أن تنال بمكروه ) أي يمنعك عن مطلوبك ، كالقتل والأسر ومنع الخلق عنك فإنك معصوم من ذلك ، وأنا مثل السب فتحمله ، ولا يكن مانعاً لك من التبليغ ، وهذا إخبار من الله بأن رسوله لم يكتم شيئاً ، فهو معصوم من الكتمان لاستحالته عليه . قوله : ( بالإفراد والجمع ) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وعلى كل فهو مفعول لبلغت ، فعلى الإفراد منصوب بالفتحة الظاهرة ، وعلى الجمع منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم ، والمعنى واحد على كل ، لأن المفرد المضاف يفيد العموم . قوله : ( لأن كتمان بعضها الخ ) أشار بذلك إلى دفع سؤال ورد على الآية . وحاصله أن ظاهر قوله : { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } اتحاد الشرط ، والجواب لأنه ينحل المعنى إن لم تبلغ فما بلغت . وحاصل الجواب أن المعنى وإن تركت شيئاً مما أمرت تبليغه ولو حرفاً ، فقد تركت الكل وصار ما بلغته غير معتد به ، لأن كتمان بعضه ككتمان كله . قوله : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ } أي يحفظك وهو من تمام الأمر بالتبليغ . قوله : ( أن يقتلوك ) دفع ما قيل إنه أوذي أشد الإيذاء قولاً فأجاب بأن المراد العصمة من القتل ، وما في معناه من كل ما يعطل عليه التبليغ وهكذا كل نبي أمر بالقتال ، وما ورد من قتل بعض الأنبياء ، فلم يكونوا مأمورين بالقتال . قوله : ( وكان صلى الله عليه وسلم يحرس الخ ) " عن عائشة رضي الله عنها قالت : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدمة المدينة ليلة فقال : " ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة " ، قال فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح ، قال من هذا ؟ قال سعد بن أبي وقاص ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك ؟ فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه ، فدعا له رسول الله ثم نام ، وفي رواية إن الذي جاء سعد وحذيفة بن اليمان قالا : جئنا نحرسك ، فنام عليه السلام حتى سمعت غطيطه " ، ونزلت هذه الآية فأخرج رأسه من قبة آدم وقال : انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله ، ورد أنه كان يحفظه سبعون ألف ملك ، لا يفارقونه في نوم ولا يقظة . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } أي لبلوغ مطلوبهم فيك لعصمتك منهم ، ولذلك في بعض الغزوات حين احتاطت به الأعداء صار يقول : أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ، ويرميهم بالتراب في وجوههم ، وكان يمر بين صفي القتال على بغلة لا تصلح لكر ولا فر . قوله : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } أي اليهود والنصارى . قوله : ( معتد به ) أي عند الله وهو الهدى والخير ، وهذا جواب عن سؤال : كيف يقول لستم على شيء ، مع أنهم على شيء وهو الدين الباطل . قوله : { حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } أي تأتمرون بأمرهما وتنتهون بنهيهما ، لأن فيهما بيان أن دينه هو الدين القيم ، وأن وجوده ناسخ لجميع الشرائع . قوله : { كَثِيراً مِّنْهُمْ } أي كعلمائهم ورؤسائهم ، وأما القليل منهم كعبد الله بن سلام والنجاشي وأضرابهما ، فقد زادهم القرآن اهتداء ونوراً . قوله : و { مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } نسب الإنزال أولاً إليهم ، لأنهم مأمورون بإتباعه ، ونسب الإنزال ثانياً إليه ، لأنه منزّل إليه حقيقة ، فيصح نسبة الإنزال إليهم باعتبار أنهم مأمورون بالعمل به وإليه باعتبار أنه يبلغه . قوله : { طُغْيَاناً وَكُفْراً } قيل الطغيان والكفر مترادفان ، وقيل الطغيان أعم لأنه مجاوزة الحد . قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إن حرف توكيد ونصب ، والذين اسمها ، وآمنوا صلته ، وخبرها محذوف دل عليه قوله : { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } الخ ، وقوله : { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } الواو للاستئناف أو عطف جمل ، والذين مبتدأ { وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ } معطوفان عليه ، وقوله : { مَنْ آمَنَ } بدل من الذين هادوا ، وما عطف عليه بدل بعض من كل ، وقوله : { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } خبر المبتدأ ، وهذا أحد أوجه تسعة وهو أحسنها ، ولذا درج عليه المفسر . قوله : { آمَنُواْ } أي حقيقة بقلوبهم وألسنتهم خرج المنافقون . قوله : ( فرقة منهم ) أي اليهود ، وقيل من النصارى ، وقيل طائفة يعبدون الكواكب السبعة ، وقيل يعبدون الملائكة . قوله : ( وعمل صالحاً ) أي فإن مات ولم يكن عمل صالحاً غير الإيمان فهو تحت المشيئة . قوله : ( منهم ) قدره إشارة إلى أن العائد محذوف .