Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 118-119)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ } إشارة إلى معطوف على قوله : { عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } [ التوبة : 117 ] ويصح عطفه على الضمير في قوله : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } وهو الأقرب لإعادة الجار . قال ابن مالك : @ وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازماً قد جعلا @@ وإن كان يكمن أن يقال ، إنما أعاده تأكيداً . قوله : { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ } إنما لم يسمهم الله ، لكونهم معلومين بين الصحابة ، والتوبة هنا على حقيقتها ، بمعنى أنه قبل عذرهم وسامحهم ، وغفر لهم ما سلف منهم ، وأما التوبة فيما تقدم ، فمستعملة في مجازها بمعنى دوام العصمة للنبي . والحفظ للمهاجرين والأنصار ، ففي القبول من الله ، عدم إظهار توبتهم ، كما فعل أبو لبابة ، وقيل : المراد خلفوا عن الغزو ، ولم يخرجوا مع رسول الله ، وفي صحيح البخاري ما نصه : باب حديث كعب بن مالك وقول الله عز وجل { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ابن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان يقود كعباً حين عمي قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك ، قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك ، وكان من خبري ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة ، حين طابت الثمار والظلال ، وهممت أن ارتحل فأدركهم وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله ، حبسه براده ونظره في عطفيه ، فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال كعب بن مالك ، فلما بلغني أنه توجه قافلاً ، حضرني همي ، فطفقت أتذكر الكذب وأهيئه لأعتذر به وأقول بماذا أخرج من سخطه غداً ، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً ، أي قرب قدومه ، انزاح عني الباطل ، وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب ، فأجمعت الصدق ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً ، وكان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فيركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك ، جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً ، فقبل رسول الله منهم علانيتهم ، وبايعهم واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، فجئته ، فلما سلمت عليه ، تبسم تبسم المغضب ثم قال : تعالى فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : ما خلفك ألم تكن قد ابتعت مركوبك ؟ فقلت : بل إني والله يا رسول الله ، لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلاً ، أي فصاحة ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ، ليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد ، أي تغضب علي فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي عذر ، ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك ، فقمت ، وبادر رجال من بني سلمة قاتبعوني ، فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ، ولقد عجزت أن تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون ، قد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ، فوالله ما زالوا يلومونني لوماً عنيفاً ، حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحداً ؟ قالوا : نعم رجلان ، قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قيل لك ، فقلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع المعمري ، وهلال بن أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً ، لي فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما لي ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس ، فتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض ، فما هي التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، وكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه فاسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي ، فإذا التفت نحوه ، أعرض عني ، حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس ، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ ، فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام ، فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله ، هل تعلمني أحب الله ورسوله ، فسكت ، فعدت له فنشدته ، فسكت ، فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار ، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال : إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك ، فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك ، فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم ، حتى يقضي الله في هذا الأمر ، فلبثت بعد ذلك عشر ليال ، حتى كملت بفتح الميم لنا خمسون ليلة ، من حين نهى رسول الله عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر ، صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله ، قد ضاقت عليَّ نفسي ، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر ، قال : فخررت ساجداً وعرفت أن قد جاء فرج ، وأن رسول الله ، أي اعلم الناس بتوبة الله علينا حين صلاة الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبيَّ مبشرون ، وركب رجل إلي فرساً وركضها ، وسعى ساع من أسلم ، فأوفى على الجبل ، وكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه ، والله ما أملك من الثياب غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله ، فتلقاني الناس وجاؤوا يهنئوني بالتوبة يقولون : لتهنك بفتح التاء توبة الله عليك ، قال كعب : حتى دخلت المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس ، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره ، ولا أنساها لطلحة ، قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور : أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك امك ، قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ؟ قال : لا ، بل من عند الله ، وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله ، قال رسول الله : أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك ، قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر ، وأنزل الله على رسول الله { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } [ التوبة : 117 ] إلى قوله : { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط ، بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله اهـ . قوله : { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ } الخ أي لم يطمئنوا ولم يسكنوا إلى شيء منها ، وَ { إِذَا } صلة أو ثم ليستقيم المعنى . قوله : ( أي من رحبها ) بضم الراء وأما بفتحها ، فمعناه المكان المتسع . قوله : ( فلا يسعها سرور ) العبارة فيها قلب ، أي فلا تسع سروراً . قوله : { أَن } ( مخففة ) أي واسمها ضمير الشأن . قوله : { لاَّ مَلْجَأَ } إلخ ، { لاَّ } نافية للجنس و { مَلْجَأَ } اسمها ، و { مِنَ ٱللَّهِ } خبرها ، والجملة سدت مسد مفعولي { وَظَنُّوۤاْ } . قوله : { مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } أي من سخطه إلا بالتضرع إليه . قوله : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } أي قبل توبتهم . قوله : { لِيَتُوبُوۤاْ } أي ليحصلوا التوبة وينشئوها . خطاب عام لكل مؤمن . قوله : { يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } { مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } { مَعَ } بمعنى من ، بدليل القراءة الشاذة المروية عن ابن مسعود .