Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 95, Ayat: 1-8)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } الخ ، أقسم سبحانه وتعالى بأقسام أربعة على مقسم واحد ، تعظيماً للمقسم به ، وغرابة المقسم عليه . قوله : ( أي المأكولين ) هو قلو ابن عباس ، وخص التين لأنه فاكهة وغذاء ، ويشبه فواكه الجنة لكونه بلا عجم ، ومن خواصه أنه طعام لطيف سريع الانهضام ، لا يمكث في المعدة ، يخرج رشحاً ، ويلين الطبع ، ويقلل البلغم ، ويطهر الكليتين ، ويزيل ما في المثانة من الرمل ، وهو مرض يستولي على مقر البول فيحجز الماء عن الخروج بأجزاء دقيقة كالرمل يعسر معها البول ، ويتأذى به الإنسان ، فإذا زاد صار حصاة ، ويفتح سدد الكبد والطحال ، ويسمن البدن ، ويقطع البواسير ، ويطول الشعر ، وهو أمان من الفالج ، ومن أكلها مناماً ، نال منالاً ورزقه الله أولاداً ، وقد تستر آدم بورق التين حين خرج من الجنة ، وأما الزيتون فهو من شجرة مباركة ، فيه إدام ودهن ، يؤكل ويستصبح به ، وشجرته في أغلب البلاد ، ولا يحتاج إلى خدمة وتربية ، ويثبت في الأرض ألوفاً من السنين ، ومن رأى ورق الزيتون في المنام ، استمسك بالعروة الوثقى . قوله : ( أو جبلين بالشام ) ما ذكره المفسر قولان من أقوال كثيرة في المراد بالتين والزيتون ، ومنها : أن التين مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي ، والزيتون مسجد بيت المقدس . ومنها : أن التين المسجد الحرام ، والزيتون المسجد الأقصى . ومنها : أن التين مسجد دمشق ، والزيتون مسجد بيت المقدس ، ومنها غير ذلك . قوله : ( الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى ) أي وهو جبل عظيم فيه عيون وأشجار . إن قلت : كيف ذلك مع قوله تعالى : { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } [ الأعراف : 143 ] المقتضى أنه دك ولم يبق له أثر ؟ أجيب : بأنه متسع ، والذي دك قطعة منه ، وتخصيصه لكونه مباركاً ، تشرف بتكليم موسى ربه عليه . قوله : ( ومعنى سينين المبارك ) أي فهو من اضافة الموصوف لصفته ، و { سِينِينَ } يجوز أن يعرب بالحركات الثلاث على النون ، مع لزومه الياء في أحواله كلها ، ويكون ممنوعاً عن الصرف للعلمية والعجمة ، لأنه علم على البقعة أو الأرض ، وأن يعرب كجمع المذكر السالم بالواو رفعاً ، وبالياء نصباً وجراً . قوله : ( لأمن الناس فيها ) أي فلا ينفر صيده ولا يقطع شجره . قوله : ( الجنس ) أي الماهية من حيث هي الشاملة للمؤمن والكافر . قوله : { فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أي في أعدل قامة وأحسن صورة ، يتناول مأكوله بيده . مزيناً بالعلم والفهم والعقل والتمييز والنطق والأدب . قوله : ( في بعض أفراده ) أشار بذلك إلى أن في الآية استخداماً ، حيث ذكر الإنسان أولاً بمعنى وهو الجنس ، ثم أعاد الضمير عليه بمعنى آخر وهو الإنسان بمعنى بعض أفراده . قول : { أَسْفَلَ سَافِلِينَ } السافلون هم الصغار والزمنى والأطفال ، فالشيخ الكبير أسفل من هؤلاء ، لأنه لا يستطيع حيلة ، ولا يهتدي سبيلاً ، لضعف بدنه وسمعه وبصره وعقله وثقله عن أهله وجيرانه . قوله : ( كناية عن الهرم والضعف ) أي فالمعنى : ثم جعلناه ضعيفاً هرماً فهو بمعنى { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [ النحل : 70 ] { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } [ يس : 68 ] وما ذكره المفسر أحد قولين في المراد بالرد إلى أسفل سافلين ، والآخر أن المراد { رَدَدْنَاهُ } إلى النار ، لأنها دركات بعضها أسفل من بعض . قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } الخ ، مشى المفسر على أن الاستثناء منقطع ، وحينئذ فيكون المعنى { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } فزال عقله واقطع عمله ، فلا يكتب له حسنة ، ( لكن ) { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضعف ، فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف ، مثل الذي كانوا يعملونه في حال الشباب والصحة ، وأما على القول الآخر ، فالاستثناء متصل ، ويكون المعنى : رددناه أسفل ممن سفل خلقاً وتركيباً ، حساً ومعنى ، وهم أهل النار { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ألخ ، فيكون بمعنى قوله تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ العصر : 2 - 3 ] . قوله : ( غير مقطوع ) أي ولا يمن به عليهم . قوله : ( من الكبر ما يعجزه ) ( من ) تعليلية و ( ما ) مفعول به واقعة على زمان . والمعنى : إذا بلغ المؤمن سبب الكبر زماناً يعجز فيه عن العمل ، وفي بعض النسخ ما يعجزه ، وحينئذ فيكون من الكبر بيان لما مقدماً عليه ، والمعنى : إذا بلغ المؤمن كبراً يعجزه عن العمل . قوله : { فَمَا يُكَذِّبُكَ } الخ ، الاستفهام إنكاري ، والخطاب للإنسان الكافر بطريق الالتفات ، المعنى : فا الذي حملك أيها الإنسان على التكذيب بالبعث ؟ أي أي سبب يحملك على التكذيب ؟ ففي الكلام تعجب وتعجيب ، وذلك أنه تعالى لما قرر أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ثم رده إلى أرذل العمر ، دل على كمال قدرته على الإنشاء والإعادة ، سأل بعد ذلك عن تكذيب الإنسان بالجزاء ، لأن ما يتعجب منه يخفى سببه ، هذا ما مشى عليه المفسر ، وقيل : إن ما بمعنى من ، والخطاب له صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : فمن يكذبك أيها الرسول الصادق المصدق بما جئت به من الحق بعد ظهور الدلائل القطعية على تصديقك ؟ قوله : ( وحكمة بالجزاء ) مبتدأ ، وقوله : ( من ذلك ) أي من جملة قضائه خبره .