Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 62-66)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن حال أوليائه بعد كشف حال أعدائه بقوله تعالى : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ يونس : 62 ] إلى قوله : { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ يونس : 64 ] ، { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ } [ يونس : 62 ] أي : أحباء الله وأعداء نفوسهم ، فإن الولاية هي معرفة الله ومعرفة نفوسهم ، فمعرفة الله رؤيته بنظر المحبة ، ومعرفة النفس رؤيتها بنظر العداوة عند كشف غطاء أحوالها وأوصافها ، فإذا عرفتها حق المعرفة علمت أنها عدوة الله ولك معالجتها بالمعاندة والمكابدة وما آمنت مكرها وكيدها وما نظرت إليها بنظر الشفقة والرحمة . فهذا حال أولياء الله أنه { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ يونس : 62 ] من تمني الضرر بنفوسهم ، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] على ما فاتهم من شهوات النفوس للعداوة القائمة فيما بينهم ، ثم وصفهم فقال : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [ يونس : 63 ] بالله عما سواه ويفرون إليه مما عداه فيخرجهم الله من ظلمات التعلق بالكونين إلى نور الوصال والوصول . ثم أخبر عن مجازاتهم فقال : { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } [ يونس : 64 ] أي : المبشرات التي هي تلي النبوة من الوقائع التي ترى بين النوم واليقظة والإلهامات والكشوف وما يرد عليهم من المواهب والمشاهدات ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات " ، { وَفِي ٱلآخِرَةِ } [ يونس : 64 ] وبشراهم بكشف القناع عن جمال العزة عن سطوات تجلي نور القدم وزهوق ظلمة الحدث وليبقوا بإبقاء الحق رحمة منه كما قال الله تعالى : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ } [ التوبة : 21 ] . { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } [ يونس : 64 ] أي : لا تتغير أحكامه الأزلية حيث قال للولي : كن وليّاً ، وللعدو : كن عدوّاً ، وكانوا كانوا كما أراد بالحكمة البالغة فلا تغيير لكلمة الولي وكلمة العدو ، { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ يونس : 64 ] أي : ذلك الثبات لكلمة الولي وعدم تغييرها وتبدلها في حق الولي { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } للولي ، فإنه فاز بالوصول إلى الله العظيم . ثم أخبر عن العزة تسلية لأهل العزة بقوله تعالى : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } [ يونس : 65 ] إلى قوله : { يَكْفُرُونَ } [ يونس : 70 ] ، { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } الخطاب مع رسول القلب أي : يا رسول القلب لا يحزنك قول مشركي النفوس وهواجسهم فيما يحدثونك من استمتاعك لشهوات الدنيا ولذاتها ويزينون زخارفها في نظرك ؛ ليقطعوا عليك طريق الحق تعالى ، ويدلوك على متابعة الهوى . { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ يونس : 65 ] في الدنيا والآخرة يعز من يشاء في الدنيا دون الآخرة ، ويعز من يشاء في الآخرة دون الدنيا ، ويعز في الدنيا والآخرة جميعاً ، فلا تضره هواجس النفس ووساوس الشيطان في احتظاظه بشهوات الدنيا ونعيمها والتزين بزينتها ، ولا يمنعه نعيم الدنيا عن نعيم الآخرة ، كما قال الله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } [ الأعراف : 32 ] فيكون من خواص عباده الذين أتاهم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ؛ بل يكون لبعضهم نعيم الدنيا معيناً على تحصيل نعيم الآخرة كما جاء في الحديث الرباني : " وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فإن أفقرته يفسده ذلك " . { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [ يونس : 65 ] لحديث النفوس ، { ٱلْعَلِيمُ } [ يونس : 65 ] بأمزجة عباده يدفع ما يضر بهم ويحيطهم ما لا ينفعهم منه ، { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ يونس : 66 ] من القلوب السماوية ، { وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 66 ] من النفوس الأرضية أي : القلوب والنفوس ملك له وعبيد يفعل بهم وفيهم ما يشاء وأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً . { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ } [ يونس : 66 ] أي : النفوس ، { يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } [ يونس : 66 ] من الدنيا والهوى والمعنى ، وما يتبع النفوس الهوى والدنيا ويتخذونها شركاء الله { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي : بغير الله . { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } [ يونس : 66 ] أي : يظنون أنهم يتبعون الهوى باختيار نفوسهم لا باختيار الله ، ولا يعلمون أنه ما كان لهم الخيرة ، { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ يونس : 66 ] أي : بأن لهم الخيرة دون الله .