Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 100, Ayat: 6-9)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } [ العاديات : 6 ] ؛ يعني : إن الإنسان لا يرضى بهذا الفتح لأنه كنود ، ويدخل مني الإذن بدخوله في عالم القلب ، فالواجب على صاحب الهمم العليّة أن يشكر الله على نعمة الفتح والنصرة في هذا المقام ، ثم يسأل منه التوفيق للدخول في عالم القلم وكنوده من علق همته ، وعجلته من غاية اشتياقه ، وبهاتين الخصلتين اللتين إن ظهرتا تتبدلا بالهمة ، والسرعة المحمودة التي أشار إليها الله تعالى حيث قال في كتابه : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عمران : 133 ] ، صار الإنسان أشرف الموجودات ، وإن لم يكن هاتان الخصلتان موجودتان في ابن آدم ، ويمكن له التجاوز عن مقامه ، مثل الملائكة الذين يقولون : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] ، وظلمه وجهله وكفرانه أيضاً من الواجبات العالية الهمة في سلوك الطريقة . كما أن الكنود والعجلة من الموجبات أيضاً إذا ظهر صار صفتين حميدتين معينتين لصاحبهما على قطع الطريق والغلبة على العدو ، وبعلو الهمة التي هي نتيجة الكنود المطهر من تلويثات الهوى النفسية ، وبسرعة السير لغلبة الاشتياق التي هي من خصائص صفة العجلة المزكاة من كدورات القوى القالبية ، بحيث يسير في عمره القصير سيراً باستعداد العجلة ، ويصل إلى مطلوبه في سيره ، وينتهي سيره في مدة يسيرة إلى ما لا يمكن الوصول لمنتهاه إلا بخمسين ألف سنة لغيره ، فذلك الجهل ؛ لأنه من جهله تثقل الأمانة قلبه وحملها حيث أبت الكائنات حملها وقبولها ، كما يقول تعالى : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً } [ الأحزاب : 72 ] على نفسه ، { جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] بحقيقة ثقل الأمانة . ولولا صفة ظلوميته لما حارب بنفسه وما قاتلها ، ولما اجتهد في قلع أشجار خواطرها ، وما شد عليها مشربها من ينبوع الهوى ، ولولا صفة كفرانه لما التفت إلى تربيته طبيعتها له ورحم عليها ، وما حملها على ترك مألوفاتها ، وقطع النظر عن مشتهياتها ، وما أمرها بالمجاهدة في خلع عاداتها ورفض محبوبتها طباعها ، ونفض الأيدي من الدنيا ومتاعها ، فكفرانه بنعمة تربيته اللطيفة ، وبالنفس التي رباني في حجرها من زمان تعلق الروح بالعلة إلى أن بلغ مبلغ الرجال ، وعلم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، وطفق ينفي الباطل ويثبت الحق ، وسلك الطريق وعرف المظلوم من المحمود على سبيل التحقيق ، سير له قهر النفس وهواها وأضعف الطبيعة وأقواها ؛ لأنها أرضعته من الصغر إلى الكبر . { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } [ العاديات : 7 ] ؛ يعني : أن الحق شهيد بما أودعه من الصفات الجديدة في أجبال قالبه ومعدن نفسه ليكون له استعداد المحاربة وقت الجهاد ، ثم يحصل له من هذه الجديدة المرآة التي هي المقصودة من إيجاد المكونات . { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } [ العاديات : 8 ] ؛ يعني : أن الإنسان لحب المعارف لشديد ؛ ولأجل هذه يبخل السالك بمعارفه ولو لم تكن صفة البخل فيه يكون إفشاء لأسرار الطريقة في بداية وصوله إلى المعارف القلبية ؛ لقلة عمله فإن إفشاء سر الطريقة لا يجوز ، وإظهار علاماتها لغير أهلها منهى عنه ، وينبغي للسالك في مقام كشف المعارف القلبية ألاَّ يلتفت إليها ويجتهد في السلوك ، ويبالغ في نفي المعارف ؛ لئلا ينقطع بالمعارف عن المعروف . { أَفَلاَ يَعْلَمُ } [ العاديات : 9 ] السالك { إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } [ العاديات : 9 ] ؛ أي : بعثر ما في قبور القلب ، وأبين وأخرج ما في معدته مستكن مستودع .