Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا أيها المتكاثر المتفاخر بكثرة القبائل والعشائر ، اللاهي بالأموات في المقابر عن الحي الذي يطَّلع على الصغائر والكبائر ، اعلم أن قالبك قبرك المدفون والقوى التي تتشعب من قالبك هي قبائلك وعشائرك القريبة إلى نفسك الأمارة ، ونفسك أبداً تتفاخر بتلك القوى ، وبها تستمد وتبارز القوى القلبية والروحية ، وتشتهي أن تغلب عليها وتباشرها وتستخدمها القوى القالبية ، وتسترد فيها القوى النفسية ، فإذا انتشرت من غير قالبك وحشرت في الموقف العظيم وشاهدت القوى القلبية والروحية ؛ أي : لما يخاصمونك ، والحق يأخذ بظلمك الذي ظلمت عليه ، ولا مفر ولا مهرب [ من ] عذبة لا يعذب بها أحد إلا الذي كان عمله مثل عملك ؛ ولأجل هذا قال في كتابه تعالى : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ التكاثر : 1 - 3 ] بعد النشر . { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ التكاثر : 4 ] ما في الموقف { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } [ التكاثر : 5 ] اليوم ما ادخرتم لأنفسكم من العذاب المهين ، { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } [ التكاثر : 6 ] التي استقررتموها بظلمكم على القوى القلبية والروحية . { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } [ التكاثر : 7 ] ما كوشفتم من قبل بعلم اليقين ، { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [ التكاثر : 8 ] القالبي العاجلي الفاني ، الذي ألهاكم عن النعيم الآجل الباقي للسالك إذا اشتغل بالسلوك يكشف عليه أحوال الموت والقبر ، والنشر والحشر ، والموقف والحساب ، والصراط والجنة والجحيم بطريق المكاشفة ، بحيث يراها علم اليقين ، ثم إذا أشرقت أرضها باطنه بتولد ربه ، يشاهد بعين اليقين جميع ما يكاشف به بطريق اليقين . وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " ، ومن به يطلع اليوم على أحواله يعسر عليه الأمر غداً جداً ، ولا تنفعه الحسرة حقاً ، ولا يزيد إلا عذاباً صعداً . فاجتهدوا أيها الساعين في كشف غطائكم بذكر ربكم ، { وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [ فاطر : 5 ] ، أما تسمعون ما يقول ربكم تعالى : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [ الانفطار : 6 ] . واعلم أن في قالبك أربع قيامات : ترابية ومائية وهوائية ونارية ، فاجتهد اليوم في الذكر فربما تشاهد هذه القيامات قبل أن تقوم القيامة الوسطى والكبرى ، وتقف في هذه المواقف في القيامة الصغرى وتحاسب نفسك فيها وتتخلص فيها ؛ لئلا تعد في القيامة الوسطى ولا الكبرى بعد نزع الآلات والأدوات والاستعدادات والأقاويل عليك ، [ و ] الملاهي بالباطل عن الحق الغافل عن الموت ، الشاغل قواك باللهو والهزل ، المشتغل بالأموات المشتغل في صدرك سمات حسرة الفوت . اللهم نبهنا من نومة الغافلين ، واجعلنا من المستيقظين .