Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 103, Ayat: 1-3)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا طالب الأوقات المشرقة والساعات المثمرة ، إن أشرف ساعة من الساعات هي ساعة فرضت فيها طاعة من الطاعات ، وأشرف تلك الساعات الساعة التي صدرت محلاً لقسم الله تعالى ؛ وهي العصر كما يقول الله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 1 - 2 ] إن رءوس مال الإنسان عمره ، وكل لحظة تمضي عليه [ تذهب ] برءوس ماله مطلقاً . { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] ؛ أي : ربحوا في سوق الدنيا باستعداد عمره وحصلوا نعيم الدار الآخرة الباقية ، وفائدة خصوصية ساعة العصر ذكرها في ضيعة من " بدائع الصنائع " و " الشرح والبسط " فاطلبه منها . وأما الحكمة التي بها قال الله تعالى بعد القسم : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] ، اسمع بسمع حديد وقلب شهيد أن الله تعالى خلق الإنسان { فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] بإدراجه جميع المفردات العلوية والسفلية فيه ، فلذلك جمع الله تعالى لأمة محمد خواص جميع الساعات في الصلاة الوسطى ؛ وهي صلاة العصر ، إذا أدى الإنسان حق الطاعة في تلك الساعة صيرت الفوائد المدرجة في جميع الساعات لها ، وأشار إلى هذا المعنى حبيب الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله فرض على أمة موسى عليه السلام أن يعملوا يوماً ليأخذوا أجورهم ، فعملوا من الصبح إلى الظهر وملوا وتركوا العمل والأجر ، فعين الله تعالى لأمة عيسى عليه السلام من الظهر إلى العصر ، وعملوا وتركوا العمل والأجر ، ثم فرض الله تعالى على أمتي بقية اليوم أن يعملوا ويأخذوا أجر اليوم كله فقبلوا وعملوا ، وأخذوا الأجر الكثير بالعمل القليل " . فيقول الله تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] ، ملَّ وترك العمل وحرم نفسه على الأجر الكثير الباقي باشتغاله عدد بملازمته في أيام معدودة فانية ، وهذا الحديث رويته بالمعنى ، لأن لفظه ما كان بخاطري في الحال . ثم يقول الله تعالى مستثنياً : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ العصر : 3 ] بالنبي وهو لطيفتك الخفية ، وبما أوحى الله إليها على لسان سرها ، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ العصر : 3 ] ؛ أي : الأعمال التي أمروا بها في الساعة المخصوصة ، { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } [ العصر : 3 ] في طلب الحق وترك الباطل ، { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ] على ترك الهوى ومشتهيات الأنفس في الأزمان الفانية في دار الدنيا ليدخر لها السعادات الباقية في دار البقاء . فينبغي أن يعرف أن عصر عالم الأنفس في الأيام الروحانية قائم مقام ليلة القدر في الليالي الجسمانية ، والعصر يتعلق بضوء نور الجلال الذي أودعه الله في النهار ، ولولاه ما اشتغل الناس في النهار بالكسب ، والقدر يتعلق بضوء نور الجمال الذي أودعه في الليل ، ولولاه ما اشتغل أحد باستراحة في الليل ، وفيه حكمة التدبير مما يتعلق بحد القرآن ، ولست مأذنوناً بإفشائه . فاجتهد أن تكون من الموجهين إلى قبلة الأحدية في جميع الأوقات في الأيام الروحانية خاصة إذا غربت شمس الروح إلى مغرب الروحانية ؛ لأنك لا تدري بعد غروبها أتطلع من مشرقها أو من مغربها ؟ فإذا طلعت من مغربها لا ينفعك طاعة إن غفلت عن التوجه في تلك الساعة ، فالسالك يفطن للإشارة التي أشرت إليها ولا ينتفع بتقرير هذه القدسيات إلا السالك ، وشرحت ساعة القدر في سورة القدر . اللهم ارفع قدرنا ، واشرح صدرنا ، وآمن من المحاق بدرنا .