Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا طالب كوثر المعرفة ، اعلم أنك ما دمت في تيه القالب وبيداء النفس متردداً متحيراً لا تصل إلى الكوثر المعرفة ؛ لأنه في روضة القلب ورياض الجنة محفور ، فإذا طففت في السلوك ، وجاوزت تيه القالب ، وخرجت من براري النفس ودخلت في [ دار ] عروس القلب ، وشممت نسيم رياض الوادي الأيمن ، ووصلت إلى وادي القدس الذي هو منتهى أطوار القلب في علم الخفي يعطيك بالسبعية الكوثر الذي أعطاه للحبيب بالأصالة ، كما قال في كتابه العزيز : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } [ الكوثر : 1 ] ، ويسقيك من ذلك الحوض طهور شراب المعرفة في كأس المحبة على ساقي اللطف والكرم ، كما قال تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] . فينبغي أن تصل بجميع قوى لطائفك لهذا المقام ، كما قال لحبيبه : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } [ الكوثر : 2 ] ؛ أي : فانحر ذات النفس لقربانك إلى عالم الذات ، كما أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم : { وَٱنْحَرْ } [ الكوثر : 2 ] ولا تخف مما يلقي إليك الشيطان ، ويقول لك : إن كنت تنحر ذات النفس تبقى ابترا ، { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } [ الكوثر : 3 ] ؛ أي : عدوك أبتر عن الحظوظ ، فالمتيقظ هو الذي لا يتكلم في المقام كله من المعارف نظراً إلى أن تبقى منه هذه المعرفة تذكرة ؛ لأن الله تعالى يغضب عليه ، وأمر بنحر ذات نفسه في هذا المقام لأجل هذا السر ، فإن أدى السالك حق هذا المقام بإسبال الأستار على وجه الأسرار ، يجري الله سبحانه على قلبه ولسانه أسرار ومعارف من غير شعوره بها على وجه لا ينقض الظاهر ، ويبقى اسمه في العالم من أولاد قلبه وأثمار أشجار وجوده الباقي أبد الآباد آمناً عن الفناء والنفاذ . اللهم أعنا على نحر ذاتنا ، ووفقنا لنصلي في كعبة القلب متوجهين إلى قبلة الوجه بجميع قوى لطائفنا كما تحب وترضى