Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 108-113)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ } [ هود : 108 ] في جوار الحق وقربه ، { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ } [ هود : 108 ] سماوات الأرواح والقلوب ، { وَٱلأَرْضُ } [ هود : 108 ] أرض النفوس والبشرية به يشير إلى أن الأرواح والقلوب والنفوس باقيات إلى الأبد . { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هود : 108 ] من السعداء ؛ وذلك لأن أهل السعادة على ضربين : سعيد وأسعد ، فالسعيد من يبقى في الجنة ودرجاتها وغرفاتها العليين بحب العبادة والعبودية ، والأسعد من يدخل الجنة ، ويعبر عن درجاتها إلى مقامات القربة بحسب المعرفة والتقوى والمحبة كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 54 - 55 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " إن أهل الجنة ليرون أهل العليين كما يرى أحدكم الكوكب الدري في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمرو منهم في أنعم مكان " فمن كان من أهل الجنة وأهل العليين فلهم خلود في الجنة ، ومن كان في مقام مقعد الصدق فهو في أنعم مقام من الجنة فلهم الخروج من الجنة بجذبات العناية إلى عالم الوحدة " والسر في هذا أن السالك يسلك بقدم المعاملات إلى أعلى مقام الروحانية من حضيض البشرية وهو بعد في مقام الاثنينية وهو سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، فلا عبور عن هذا المقام للملك المقرب ولا للنبي المرسل إلا برفرف جذبة العناية فإنها توازى عمل الثقلين وبها يصل العبد إلى عالم الوحدة فافهم جدّاً . فما أبقى هناك الدخول والخروج والاستثناء بقوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } راجع إلى هذا المقام ولهذا قال : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] ؛ لأنه لا انقطاع له ولا تغيير فيه . { فَلاَ تَكُ } [ هود : 109 ] يا محمد ، { فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ } [ هود : 109 ] يعني : أهل الدنيا فإنهم يعبدون الهوى ، وبالهوى يعبدون مَا يَعْبُدُونَ من دون الله ؛ لأنهم أهل التقليد لا أهل التحقيق . { مَا يَعْبُدُونَ } [ هود : 109 ] الهوى ، { إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم } [ هود : 109 ] ، { مِّن قَبْلُ } بالطبع ، { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [ هود : 109 ] الذي قدرنا لهم في قسمة الأزل من السعادة والشقاوة والقرب والبعد واللطف والعنف ، { غَيْرَ مَنقُوصٍ } [ هود : 109 ] مما قسمناه لهم مثقال ذرة ، ولو اجتمعت الجن والإنس على أن ينقصوا منها شيئاً لم يقدروا . ثم أخبر عن اختلاف طبائع الإنسان من أهل العناية والخذلان بقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } [ هود : 110 ] إلى قوله : { لاَ تُنصَرُونَ } [ هود : 113 ] قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } يشير به إلى أن كتاب الله هو محل النفوس وهو الصراط المستقيم إلى الله تعالى ، والنفوس مختلفة فمنها قابلة للاستقامة على الصراط ، ومنها غير قابلة لها ، فالمؤمن بالكتاب ، والفاعل به هو قابل للاستقامة ، والكافر به هو غير قابل للاستقامة ، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ } [ هود : 110 ] في الأزل ، { مِن رَّبِّكَ } [ هود : 110 ] لسعادة المؤمن وشقاوة الكافر ، وتأخيرهما لاستكمال السعادة والشقاوة لنفسها ولغيرها في الأزل ، { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } [ هود : 110 ] بالعذاب والهلاك يعني : بين أهل السعادة والشقاوة . { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ } [ هود : 110 ] أي : إنما أخرنا القضاء ؛ لأنهم في شك ، { مِّنْهُ } [ هود : 110 ] من الكتاب هل ينزل من الله أم لا ؟ فبالشك تكمل شقاوتهم في مدة حياتهم ، { مُرِيبٍ } [ هود : 110 ] لغيرهم في هذه المدة ؛ المعنى : إنما أخرناهم ليكملوا في الشقاوة أنفسهم ويكملوا فيها غيرهم ، { وَإِنَّ كُـلاًّ } [ هود : 111 ] أي : الكامل في الشقاوة والمكمل ، { لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } [ هود : 111 ] التي يكمل بها الشقاوة ، { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ } [ هود : 111 ] من الأعمال المكلمة للشقاوة ، { خَبِيرٌ } [ هود : 111 ] لأنه قدرها في الأزل لهم . ثم خصص أمة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها قابلة للاستقامة فقال : { فَٱسْتَقِمْ } [ هود : 112 ] أي : استقامة ، { كَمَآ أُمِرْتَ } [ هود : 112 ] في الأزل بأمر التكوين ، { وَمَن تَابَ مَعَكَ } [ هود : 112 ] أي : كما آمن من آمن ، ورجع إلى الله { مَعَكَ } فيه إشارة إلى أن النفوس جبلت على الاعوجاج عن طريق الاستقامة إلا ما اختص منها بالأمر عند التكوين بالاستقامة فإنها قابلة للاستقامة ، وهي التي تهدي إلى الصراط المستقيم . ثم قال : { وَلاَ تَطْغَوْاْ } كما أمرهم بالاستقامة نهاهم عن الطغيان فما طغوا ، { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : بما تعملون في الدنيا ، { بَصِيرٌ } [ هود : 112 ] به في الأزل ؛ لأنه جعل في جبلتكم مركوزاً ، وهيأنا لكم أسباب إخراجه منكم ، ذلك تقدير العزيز العليم ، { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ هود : 113 ] وهذا خطاب أيضاً مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن تاب معه عند الأمر بالتكوين لا جرم ما ركنوا إلى الذين ظلموا . وفي قوله : { فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ } [ هود : 113 ] إشارة إلى أن الركون إلى الظالمين موجب لعذاب النار لكائن من كان . { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } [ هود : 113 ] يشير إلى أن الله تعالى هو ناصر أوليائه ، ووليهم في الأزل إلى الأبد لا غيره ؛ يعني : إن استنصرتم من غير الله الذي هو ناصركم لا ينصركم الله ، { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } [ هود : 113 ] من غير الله ؛ لأن إن النصر إلا من عند الله .