Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 45-49)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن آفة الطبيعة مع أهل الشريعة بقوله تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ } [ هود : 45 ] أي : نوح الروح ، { رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي } [ هود : 45 ] أي : النفس المتولدة من ازدواج الروح والقالب ، { مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } [ هود : 45 ] وذلك أن الله تعالى لمَّا أراد بحكمته أن ينزل الأرواح المقدسة العلوية من أعلى عليين جواره ، وقربه إلى أسفل سافلين القلب قالت أرواح الأنبياء والأولياء وخواص المؤمنين : يا ربنا وإلهنا تنزلنا من أعلى مقامات قربك إلى أسفل دركات بعدك ، ومن عالم البقاء إلى عالم الفناء ، ومن دار السرور واللقاء إلى دار الحزن والبلاء ، ومن منزل التجرد والتواصل إلى منزل التوالد والتناسل ، ومن رتبة الاصطفاء والاجتباء إلى مرتبة الاجتهاد والابتلاء ، فوهبهم الله من عواطف إحسانه بأن ينجيهم وأهليهم من ورطات الهلاك ، فكان من قضية حكمته أن يكون لنوح عليه السلام أربعة بنين : ثلاثة منهم مؤمنون وواحد كافر ، فكذلك حكم أن يكون للروح أربعة بنين : ثلاثة منهم مؤمنون وهم : القلب والسر والعقل ، وواحد كافر وهو النفس ، فكما كان ثلاثة من بني نوح معه في السفينة ، وكان واحد في معزل منه ، فكذلك ثلاثة من بني الروح معه كانوا معه في سفينة الشريعة وكان واحد وهو كافر النفس في معزل منه من الدين والشريعة ، فلما أشرف ولده الكافر على الغرق في بحر الدنيا وطوفان الآخرة . { رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ هود : 45 ] يعني : فإن أنجيته أو أغرقته أنت أعدل العادلين فيما تفعل ؛ لأنك حكيم وأحكم الحكماء لا تخلو أفعالك من حكمة وعدل أنت أعلم بها . { قَالَ } [ هود : 46 ] أي : الرب تعالى للروح ، { يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [ هود : 46 ] أي : من أهل دينك وملتك والأهلية على نوعين : أهلية القرابة والدين وما نفى أهلية القرابة لتولدها من الروح ثم أظهر علة نفي الأهلية الدينية فقال : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [ هود : 46 ] أي : خُلق الأمارية بالسوء وهذه سيرتها أبداً ، ثم أدب الروح آداب أهل القُربة فقال : { فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ هود : 46 ] أي : علم حقيقي بأن يجوز أهل القربة على بساط القرب هذا الانبساط { إِنِّيۤ أَعِظُكَ } [ هود : 46 ] يا روح القدس { أَن تَكُونَ } [ هود : 46 ] أي : على البساط بهذا الانبساط . { مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } أي : من النفوس الجاهلة الظالمة ، وفيه إشارة إلى أن الروح العالم العلوي يصير بمتابعة النفس وهواها جاهلاً سفلي الطبع دنيء الهمة ، { قَالَ } [ هود : 47 ] أي : الروح { رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } [ هود : 47 ] من التماس نجاة النفس الممتحنة بآفات الدنيا وشهواتها من طوفان الفتن ، { وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي } [ هود : 47 ] تؤدبني بأنوار المغفرة { وَتَرْحَمْنِيۤ } [ هود : 47 ] على عجزي عن الاهتداء بغير هداك { أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ هود : 47 ] يشير إلى الرحمة وهي المانعة للروح من الخسران . { قِيلَ يٰنُوحُ } [ هود : 48 ] أي : نوح الروح ، { ٱهْبِطْ } [ هود : 48 ] إنزل من سفينة الشريعة وتحمل تكاليفها عند مفارقة الجسد وخلاص طوفان النفس ، { بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ } [ هود : 48 ] السلام : هو النجاة ، والبركات : هي الدرجات ، { وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } [ هود : 48 ] في سفينة الشريعة من القلب والسر والنفس والعقل ، { وَأُمَمٌ } [ هود : 48 ] أي : النفوس التي لم تكن مع الروح في سفينة الشريعة ، { سَنُمَتِّعُهُمْ } [ هود : 48 ] من الحظوظ النفسانية الدنيوية ، { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا } [ هود : 48 ] من بعدنا ، { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ هود : 48 ] تمنعها من الحظوظ ، وتمرنها على الانقياد . ثم أخبر أن هذه الإشارات في تربية الروح والنفس في بيان حالها وفساد أمرها أمور غيبية فقال : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ } [ هود : 49 ] يا محمد ، { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا } [ هود : 49 ] أي : من قبل أن أشرنا بها إليك وعلمناكها ، { فَٱصْبِرْ } [ هود : 49 ] على تربية الروح والنفس على ما أشرنا به إليك ، { إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ } [ هود : 49 ] أي : الخاتمة الحسنة ، { لِلْمُتَّقِينَ } [ هود : 49 ] لمن اتقى عن طوفان فتن الدنيا والنفس والهوى بسفينة الشريعة عن تشييد هذه القاعدة .