Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 54-60)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [ هود : 54 ] أي : ما نقول في سبب دعوتنا إلى غير مشاربنا لك إلا بعض مشتهياتنا تبعك في الطلب وعز عليك تحصيله ، فأردت أن تترك مشاربنا ونطلب مشاربك ، { قَالَ } [ هود : 54 ] أي : القلب في الجواب ، { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ } [ هود : 54 ] أنتم أيضاً ، { أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [ هود : 54 ] { مِن دُونِهِ } [ هود : 55 ] أي : بريء من المشارب كلها غير مشرب يسقيني فيه الله عز وجل من شراب طهور يطهرني من لوث الحدث . ثم قال : { فَكِيدُونِي جَمِيعاً } [ هود : 55 ] يا نفس الهوى والشيطان والدنيا ، فيها إشارة إلى أن النفس وأخواتها في كيد القلب على الدوام والقلب المؤيد بالتأييد الرباني لا يبالي بكيدهم ، وأنه متوكل على الله في جميع الحالات متظهر به حتى يقول : { ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [ هود : 55 ] فيما تقدرون في كيدي وعداوتي ، { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } [ هود : 56 ] أي : هو الذي يربيني على طلب الحق ، ويربيكم على طلب الباطل ، { مَّا مِن دَآبَّةٍ } [ هود : 56 ] تدب في طلب الخير والشر ، { إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } [ هود : 56 ] يجرها بها إلى الخير والشر وهي في قبضة قدرته مذللة . { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ هود : 56 ] في إصلاح أهل الخير وإفساد أهل الشر ، وفيه إشارة أخرى : { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يدل طالبيه به عليه بقوله : من طلبه فليطلبه على صراط مستقيم الشريعة على أقدام الطريقة ، فإنه يصل إليه بالحقيقة ، وأيضاً يعني : الصراط المستقيم هو الذي ينتهي إليه لا إلى غيره كقوله : { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] ، { فَإِن تَوَلَّوْاْ } [ هود : 57 ] طالبو غير الله عن طلب الله قل يا قلب . { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ } [ هود : 57 ] بالإلهام ، { مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } [ هود : 57 ] من دعوتكم إلى الحق أي : فإن لم تستجيبوا لي فيما دعوتكم إليه وهو طلب الكمال لاستحقاق الخلافة التي خلق الخلق لأجلها كما قال : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [ البقرة : 30 ] يجعل الله تعالى خلافته في مستحقيها ، { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً } [ هود : 57 ] مستحقين لها ، { غَيْرَكُمْ } [ هود : 57 ] وهو الروح والسر والقلب . { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } [ هود : 57 ] أي : لمن يجعله الله خليفة ، { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [ هود : 57 ] ليحفظه في خصوصيته السيئة لا يقدر أحد على تغييرها ، فلا يقدروا أهل الشقاوة على تغيير سعادة أهل السعادة ، ولا أهل السعادة قادرون على تغير شقاوة أهل الشقاوة ؛ لأن كلها محفوظة بحفظ الحق . { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } [ هود : 58 ] بالشقاوة لأهل الشقاوة ، { نَجَّيْنَا هُوداً } [ هود : 58 ] القلب ، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } [ هود : 58 ] من الروح وصفاته والبدن وجوارحه ، { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } [ هود : 58 ] بعناية سابقة ، { وَنَجَّيْنَاهُمْ } [ هود : 58 ] من الشقاوة ، { مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ هود : 58 ] فيه إشارة إلى أن العذاب نوعان : خفيف وغليظ ، فالخفيف : هو عذاب الشقاوة المقدرة قبل خلق الخلق ، والغليظ : هو عذاب الشقي بشقاوة معاملات الأشقياء التي تجري عليه مع شقاوته المقدرة له قبل الوجود . ثم أخبر عن عاد النفس المخلوقة على الجحود لا تغيرها الآيات وشهودها ، فقال : { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } [ هود : 59 ] أي الروح والقلب والسر ، فإنهم رسل الحق إلى النفس والبدن ، { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ } [ هود : 59 ] على الحق ، { عَنِيدٍ } [ هود : 59 ] عاند الحق ؛ لأنها مجبولة عليها لسر عظيم وشأن جسيم ، { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } [ هود : 60 ] بالطرد عن الحضرة إلى طلب شهوات الدنيا ونصيب وجدانها وتعب فقدانها ، { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ هود : 60 ] بالبعد والخسران والحرمان وعذاب النيران ، { أَلاۤ إِنَّ عَاداً } [ هود : 60 ] أي : النفس وصفاتها ، { كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } [ هود : 60 ] بأن آمنوا بغيره وطلبوه وأعرضوا عن الله وطلبه ، { أَلاَ بُعْداً } [ هود : 60 ] وطرداً وفرقة وقطيعة وحسرة ، { لِّعَادٍ } [ هود : 60 ] النفس ، { قَوْمِ هُودٍ } [ هود : 60 ] أي : هم قوم لم يقبلوا نصيحة هود القلب ، وما تركوا مشاربهم الدنيوية الفانية وتركوا مشارب القلب الدينية الباقية .