Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 110, Ayat: 1-3)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يا صاحب الفتح ، اعلم أن الله تعالى يقول : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [ النصر : 1 ] في جهادك ومقاتلتك الأعداء النفسانية والشيطانية ، والفتح الذي حصل لك في تخليص حصونهم لمشيده . { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ } [ النصر : 2 ] ؛ أي : القوى النفسانية والشيطانية ، { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ } [ النصر : 2 ] ؛ أي : يدخلون في حكم اللطيفة القلبية ، ويدخلون دين الحق ، ويكسرون أصنام الخلق ودنان خمر الغفلات ، ويخربون بيت الأوثان وحان الشهوات ، أو يدبرون عن الباطل ويقبلون على الحق ، ويتوجهون إلى كعبة القلب ويستقبلون قبلته { أَفْوَاجاً } [ النصر : 2 ] ؛ أي : فوجاً بعد فوج من القوى الطبيعية والحسية والفكرية والعقلية . { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } [ النصر : 3 ] ؛ أي : نزه نفسك عن رؤية النصرة والفتح باجتهادك وكفايتك وحلتك ورأيك ، وتيقن بأن النصر والفتح كان من توفيق الله تعالى ، واحمد ربك على وجدان التوفيق لتنزيه نفسك عن هذه الرؤية وتسبيحك الحق ؛ لأنه ما نصرك وما فتح عليك بعلة من العلل الخارجة والداخلة ؛ لأنه منزّه عن أن يعمل عملاً بعلة - تبارك وتعالى - عن مباشرة فعل معلول وعمل مجهول ، { وَٱسْتَغْفِرْهُ } [ النصر : 3 ] من خطرات خطرت بقلبك من السرور بالنصر والفرح بالفتح ؛ لأنهما من هذا المقام يحجبانك عن النصير الفتاح بالحقيقة . { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [ النصر : 3 ] يقبل توبة العبد ويوفقه بالتوبة ؛ لأنه يحب توبة العبد المذنب كما أنه يحب عبادة العبد الصالح ؛ لأن العبد المذنب مظهر لصفة غفاريته ، والتائب مظهر لصفة توابيته ، كما أن العابد مظهر لصفة معبوديته ، على سمة الأسماء تجري أمور الناس ، والأسماء مصدر الآثار ، كما أن الصفات مصدر الأفعال ، فاحفظ هذا السر العزيز . واعلم أن النصرة إشارة إلى غلبة لطيفتك الخفية على جنود الباطل ، والفتح إشارة إلى فتح مكة وجودك حرم صدرك وكعبة قلبك وتطهيرها عن جنود النسناس ، وأحزاب الخناس ، وأصنام الوسواس . وفي هذه المقام يدخل السالك في زمرة الإنسان بعد خروجه عن مرتبة الناس ، ولا يمكن للسالك الخروج عن المرتبة الناسية والدخول في دار الإنسانية إلا بالانخلاع عن لباس البشرية وخلاصه عن تلبيس الشيطانية ، ولا تدرك هذه المعاني بالفكر والقياس والحدس الذكي وحده الحواس . اللهم انصرنا على الأعادي ، وافتح علينا أبواب الأيادي ، واحفظنا في البوادي عن الخلق العادي ، لنشكرك شكر الصادي عن الماء الزلال البارد في الحر الشديد إذا سقى في الكوز الجديد المملوء من الجليد ليكون بثمر المريد يا رب العالمين .