Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 112, Ayat: 1-4)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا طالب الوحدانية وسرها في عالم الخفى ، { قُلْ } [ الإخلاص : 1 ] بلسانك للطيفتك الخفية في عالم الخفى : { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] إشارة إلى الله ؛ لأن اللطيفة الخفية في عالمها ؛ وهي محجوبة عن غيب الغيوب الذي هو عالم الحق ؛ لأن الله { أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] في ذاته ، { ٱلصَّمَدُ } [ الإخلاص : 2 ] ؛ أي : الصمد في صفاته ليس لذاته مثل ولا لصفاته شبه ، ولا له ضد ، ولا له ند . { لَمْ يَلِدْ } [ الإخلاص : 3 ] لأنه صمدي الصفات ، { وَلَمْ يُولَدْ } [ الإِخلاص : 3 ] ؛ لأنه أحدي الذات ، أول كل شيء وآخره ، موجد كل شيء ومعدمه ، مبقي الحقوق المفردة ومغني الحظوظ المركبة ، ومهلك المفردات عند تجلي صفة وتريته . { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 4 ] في ملكه وملكوته ، واللطيفة الأنانية المستحقة المرائية يقول : سبحان الله الواحد الأحد ، الفرد الوتر الصمد ، الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 3 - 4 ] سبحانه ما أعظم شأنه . وإذا كانت في اللطيفة بقية من القوى الحميدة اللطيفة القالبية أو النفسية يقول : " سبحاني ما أعظم شأني " ، وأنا الحق " ؛ فإذا أفاق من غلبة حالتها يقول : @ أقتلوني يا ثِقاتي إِنَّ في قَتلي حَياتي وَمَماتي في حَياتي وَحَياتي في مَماتي @@ وهذه منزلة عظيمة مشكلة ينبغي للسالك أن يكون في بدرقة حماية شيخه ووليه وتقليد نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ ليخلصه من هذه الورطة في عالم [ سيره ] ، ويصله إلى لطيفة الخفية في غيب الغيوب ، ويعرض هذا الغلط على لطيفته الخفية عند تجلي اللطيفة الخفية على اللطيفة الأنانية ، والنصارى لأجل هذا أثبتوا الأبوة والأمومة والبنونة وقالوا : { ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [ المائدة : 73 ] ، وتحزبوا في مذهب الاتحاد أحزاباً كثيرة ، مثل : اليعاقبة والملكية ، والنسطورية ، فكلهم قالوا بالاتحاد . ولكن اليعاقبة يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت واللاهوت من حيث الامتزاج والاختلاف ، بحيث صار الله تعالى حصلت عظمته ، والبصري المأخوذ من مريم جوهراً واحداً ، شخصاً واحداً ، إلهاً واحداً ، يكفرون الملكية والنسطورية ، ويستحلون دمهما . والملكية يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت لا باللاهوت ، اتحاد للجارة بحيث صار الله عز وجل كما يقول الظالمون الكافرون الجاهلون والإنسان المولد من مريم ، بل هو جوهرين ناسوتي ولاهوتي شخصاً واحداً إلهاً واحداً ، ومن لم يعتقدهم يحكمون بكفره واستباحة دمه . والنسطورية يزعمون أن الاتحاد كان بالشبه والرضاء بحيث صار الله تعالى عما يصفه المشركون الجاحدون علواً كبيراً ، والمولود من مريم يسمونه بلغتهم ( عمّايزيل ) ومعناها بالعربي : لنا جوهران أزلي وزمني ، وأقنوماني ناسوتي ولاهوتي ابناً واحداً مسيحيّاً واحداً إلهاً حقاً من إله حق ابن جوهر أبيه ، ومن لم يذهب مذهبهم فلا يدخلون القداس ، ويقرون بكفرهم وقتلهم وكلهم صدقوا بتكفيرهم وأمرهم بقتلهم ، علا الله تعالى وتقدست صفاته بالأقانيم الثلاثة بالاتفاق بعضهم يفسرون الأقانيم الثلاثة ؛ أي : الأشخاص بالأب والابن وروح القدس ، وبعضهم يقولون : إن ذات البارئ تعالى الله عن ذلك { عُلُوّاً كَبِيراً } [ الإسراء : 43 ] الأب والمسيح الابن ، والكلمة هي الجابلة المصورة المفصلة للمعاني المبسوطة ، التي بها يكون التعقل هي { رُوحُ ٱلْقُدُسِ } [ النحل : 102 ] ، وبعضهم يزعمون أن الأب هو القدم والابن هو الحكمة ، وروح القدس هي الحياة . وكلهم غلطوا في النقطات الخارجة عن بحر الجبروت وقت المد ، وهي النقطة العلمية التي هي منبع عالم الخفاء ، والنقطة الإرادية التي هي منبع عالم الروح ، والنقطة القدرية التي هي منبع عالم السر ، وظنوا بالنقطة العلمية أنها ذات البارئ ، وبالنقطة الإرادية أنها ابن البارئ ، وبالنقطة القدرية أنها هي الكلمة ، وبعبارة بعضهم هي روح القدس ، فكفروا بالله تعالى ، واشركوا به في عين اعتقادهم بالاتحاد ؛ لأن سنة الله تعالى جرت على إثبات الوسائط كما نشاهدها في عالم الشهادة ، إن الولد لا يحصل إلا بازدواج الذكر والأنثى ، فعلى هذا الترتيب أثبتوا الوسائط في عالم الغيب بالنقطة الفاعلة ؛ وهي النقطة القابلة ، وهي للنقطة القدرية لظهور نقطة الإرادة وهي النتيجة ، فحسبوا أن ليس وراء العبادات قربة ، وأثبتوا رقائق الدقائق الملكية وحقوق ثلاثة ، وما وفقوا السير إلى عالم الجبروت ليشاهدوا دقائقها المتصلة إلى حقائق اللاهوتي ، ويعاينوا بالذوق الصرف استهلاك الحقائق في ذات الحق الأعظم أحدي الذات وأحدي الصفات ، الذي هو فرد بين الخلق وتر بعد الخلق ، ولا يمكن الوصول إلى هذا المقام إلا بمتابعة المحبوب ؛ لأنه اللطيفة الخفية وينزل ويقتدي بالمهدي الذي يكون من أمة الحبيب وولد من أولاده ؛ ليطَّلع على اللطيفة الخفية ويستغفر عن رؤية لطفية روح القدس في نفسه ، ويدعو أمته إلى الدين الحنفي ليدخلوا في الحنيفية السمحة السهلة ، ويكسروا صليبهم ، ويهرقوا خمرهم ، ويقتلوا خنزيرهم ، ويقولوا كلمتي الشهادة ويشهدوا بأن لا إله إلا الله حقاً ، وأن محمداً رسول الله صدقاً . فاجتهد أيها العابر على اللطائف القالبية ، والنفسية والقلبية ، والسرية والروحية ، والواصل إلى لطيفتك الخفية ، ألاَّ تعجب بنفسك ولا تظن بأنك وصلت وكملت بتجلي لطيفة أنانيتك على لطيفة خفيك ، وتلوذ بأذيال سنن الحبيب المطلق وتعتصم بحبل الله المتين ؛ وهو القرآن المبين الذي أنزل على حبيبه الأمين ، حتى تصل جذبة الحق من عالم اللطيفة الحقيقية ، ويجذبك من اللطائف كلها ويوصلك إلى اللطيفة الخفية ، ويجعلك محرماً لأسرار ذاته وحكمته التي كانت له في إيجاده الموجودات وإفناء المركبات وإهلاك المفردات ، وإبقاء اللطائف المستكملة أبد الآباد إما متنعماً وإما متألماً ، فسير عيسى عليه السلام كان سير الحبيب من الأنبياء المتقدمة ؛ ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم : " الأنبياء أبناء علات إلا أنا وعيسى " ، وأما سير إبراهيم عليه السلام كان مستقيماً إلى أن وصل إلى فاطر السماوات والأرض ، وتوجه إليه { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً } [ آل عمران : 67 ] ؛ لأنهم أثبتوا اللطيفة السرية بالنبوة في عالم السر ، إذا وجدوها غير حاصلة من امتزاج الروح والقلب ، وقالوا : إن عزير ابن الله { وَلاَ نَصْرَانِيّاً } [ آل عمران : 67 ] ؛ لأنهم غلطوا في الخفى ؛ لأن اللطيفة الخفية أعظم قدراً من اللطيفة السرية ، وأعلى مرتبة من اللطيفة الروحية ، وأثبتوا الأبوة والأمومة والبنوة كما ذكرنا ، { وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً } [ آل عمران : 67 ] بسيره المستقيم إلى عالم القلب ، { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ آل عمران : 67 ] فيما رأى من الآيات الملكوتية المودعة في نفسه في ظلمة ليل القالب بقوله : { هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 76 ] ؛ لأنه وصل إلى فاطر السماوات والأرض في عالم القلب ، تبرأ من الأفلاك وتوجه بالكلية إلى فاطر الأرضين والسماوات ، وقال في نهاية معراجه : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] . وأمر الله تعالى حبيبه المصطفى بأن يبتدي به في بداية معراجه ويزيد عليه بقوله : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام : 162 - 163 ] ، وقال الله تعالى : { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ } [ آل عمران : 68 ] ، ومن على أمته في كل يوم خمس أوقات بالصلاة ، التي هي معراج أمته بقوله تعالى : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] ، { إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام : 162 - 163 ] ، وذكرت حقيقة الصلاة التي كانت معراجاً في مدارج المعارج ، فلا أكررها فإن كنت تشتهي مطالعتها فاطلبه وطالعه وأدِ حقه ؛ لتصل إلى حظك المخفي الخفي المودع فيه . اللهم اجعلنا موحدين قائمين بالقسط غير راغبين إلى الباطل ، الثابتين على الحق بمحمد حبيبك المطلق صلى الله عليه وسلم ، وصحبه وسلم والتابعين لهم بإحسان إلى اليوم الدين .