Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 1-5)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الۤر } [ إبراهيم : 1 ] يشير بالألف إلى القسم بآلائه ونعمائه ، وباللام إلى لطفه وكرمه ، وبالراء إلى القرآن ؛ يعني : أقسم آلائي ونعمائي أن صفة لطفي وكرمي اقتضت إنزال القرآن وهو { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } بدلالة القرآن وتعليمه ونوره وخلقه وهداه { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ } وهي ظلمات الخلقية { إِلَى ٱلنُّورِ } وهو نور تجلي صفة الربوبية ، وذلك أن الله تعالى خلق عالم الأجساد وجعل زبدته جسم الإنسان حجاباً بالنور صفات روح الإنسان وهي ظلمات الخلقية الإنسانية ، وجعل العالمين بظلماتها وأنوارها حجاباً لنور صفة الألوهية ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن لله سبعين ألف حجاب من نور الظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره " وما جعل الله لنوع من أنواع الموجودات استعداد الخروج من هذه الحجب إلا للإنسان ، ولا يخرج منها أحد إلا بتخريجه إياه منها ، واختص المؤمن بهذه الكرامة ، كما قال : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] فجعل القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم من أسباب يخرج المؤمن بهما من حجب الظلمات إلى النور { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي : بحوله وقوته لا سبيل له إلى ذلك الآية ، وإنما قال ربهم لأنه تعالى هو مربيهم ، وما قال بإذن ربك ليعلم أن هذه التربية من الله لا من النبي . ويشير بقوله : { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } إلى أن العبور على الظلمات الجسمانية والأنوار الروحانية هو الطريق لله ، وهو العزيز الذي لا يصل العبد إليه إلا بالخروج عن هذه الحجب ، وهو الحميد الذي يستحق من كمالية جماله وجلاله أن يحتجب بحجب العزة والكرامة والعظمة . وبقوله : { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ إبراهيم : 2 ] يشير إلى أن سير السائرين إلى الله لا ينتهي بالسير في الصفات وهي العزيز الحميد ، وإنما ينتهي السير في الذات وهو الله فالمكونات أفعاله ، فمن بقي في أفعاله فلا يصل إلى صفاته ، فمن بقي في صفاته لا يصل إلى ذاته ، ومن وصل إلى ذاته وصولاً بلا اتصال ولا انفصال بل وصولاً بالخروج عن أنانيته إلى هويته تعالى يبقى به في صفاته وأفعاله ، ثم قال : { وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } هو شدة ألم الانقطاع عن الله والبعد عنه . ثم وصفهم ليعلم أن الكافر الحقيقي من هو ولا يرضى العبد باسم الانقطاع ولا يقنع بالإيمان التقليدي فقال : { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } [ إبراهيم : 3 ] بالجد والاجتهاد في طلب الدنيا وشهواتها وترك الآخرة بإهمال السعي في طلبها ، واحتمال الكلفة والمشقة في مخالفة هوى النفس وموافقة الشرع في تربية القلب والسير إلى الله { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ويصرفون وجوه الطالبين عن طلب الله ، ويقطعون عليهم طريق الحق في صورة النصيحة ، ويلزمون الطلاب على ترك الدنيا والعزلة والغربة والانقطاع عن الخلق للتوبة إلى الحق { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي : ويطلبون الآخرة بالاعوجاج عن طريقهما { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } أي : ضلوا عن طريق الحق وبعدوا عنه . { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [ إبراهيم : 4 ] أي : ليتكلم معهم بلسان عقولهم { لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } الطريق إلى الله طريق الخروج عن كلمات أنانيتهم إلى نور هويته { فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ } بأنانيته { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } بالخروج إلى هويته { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي : هو أعز من أن يهدي كل أحد إلى هويته { ٱلْحَكِيمُ } بأن يهدي من هو المستحق للهداية إليه . فمن هنا تحقق أنه تعالى هو الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور وغيره . { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } [ إبراهيم : 5 ] أي : أرسلنا جبريل الجذبة إلى موسى القلب بعصا الذكر واليد البيضاء من الصدق والإخلاص في استعمالها { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } وهم الروح والسر والخفي { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } من ظلمات الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي بالمداومة على الذكر ونفي الوجود المجازي وإتيان الوجود الحقيقي { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } التي كان الله ولم يكن معه شيء لا من أيام الدنيا ولا من أيام الآخرة ، وكانوا في مكنون علم الله وهو يحبهم بلا هم ويحبونه { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } التذكير والذكر { لآيَاتٍ } في الخروج عن الوجود المجازي { لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } يصير بالله مع الله عن غير الله شكور لنعمة الوجود الحقيقي ببذل الوجود المجازي .