Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] إلى قوله : { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [ الحجر : 8 ] . قوله : { الۤرَ تِلْكَ } يشير بكلمة تلك إلى قوله : { الۤرَ } أي : كل حرف من هذه الحروف حرف آية من { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } وهي { قُرْآنٍ مُّبِينٍ } . والألف إشارة إلى آية : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] . واللام إشارة إلى آية : { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } [ الفتح : 14 ] . والراء إشارة إلى آية : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [ الأعراف : 23 ] فالله تعالى أقسم بهذه الآيات الثلاث بإشارة هذه الحروف الثلاثة ، ثم أقسم بجميع القرآن بقوله : { وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ * رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الحجر : 1 - 2 ] يشير إلى النفس الكافرة وصفاتها المتمردة وتمنيها أن { لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الحجر : 2 ] أي : مستسلمين لأحكام الله تعالى وأوامره ونواهيه ، كما استسلم من مؤمني القلب والروح وصفاتها ، وذلك يكون عند استيلاء سلطان الذكر على الروح والقلب ونشور صفاتهما وتبدلت أحوالها من الأمارية بالمطمئنة ، فتمنت حين ذاقت حلاوة الإسلام وطعم الإيمان أن كانت من بدء الخلقة مسلمة مؤمنة كالقلب والروح . وأما قوله : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ } [ الحجر : 3 ] التهديد للنفس ذاقت حلاوة الإسلام ، ثم عادت المشئومة إلى طبعها واستحلت مشاربها من نعيم الدنيا ، واستحسنت زخارفها فيهددها بأكل شهوات الدنيا والتمتع بنعيمها ، ثم قال : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ما خسروا من أنواع السعادات والكرامات والدرجات والقربات ، وما فات منهم من الأحوال السنية والمقامات العلية ، وما أورثتهم الدنيا الدنية من البعد من الله والمقت وعذاب نار القطيعة والحرمان . ثم قال : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } [ الحجر : 4 ] أي : وما أهلكنا بالخذلان من عاد من قوله : { قَرْيَةٍ } المولى إلى قرية الدنيا { إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } أي : إلا ولها مكتوب في أم الكتاب ما كان معلوماً الله في الأزل من سوء أعماله وأحواله { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } [ الحجر : 5 ] حتى يظهر منه ما هو سبب هلاكه واستوفت نفسه من الحظوظ ما يبطل الحقوق { وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } [ الحجر : 5 ] بحظه بعد استيفاء أسباب هلاكه وعذابه { وَقَالُواْ } [ الحجر : 6 ] يعني : النفوس المرتدة المتمردة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } [ الحجر : 6 ] هذا الخطاب مع القلب الذاكر { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] إذ توقعت من المتمردة الإسلام . { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ } [ الحجر : 7 ] أي : هلا تأتينا بصفات الملائكة المنقادين ، وحتى إذا اتصفنا بصفاتهم نؤمن بما أنزل إليك من مواهب الحق تعالى ، فيه إشارة إلى أن النفس الأمارة بالسوء لا تؤمن بما أنزل الله إلى القلوب من الأنوار الإلهية حتى تصير مطمئنة موصوفة بصفات الملائكة ، وتنورت بإشراق أنوار تجلي صفات الله تعالى { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الحجر : 7 ] أنك تريد لنا الهداية فأجابهم القلب : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ } [ الحجر : 8 ] أي : ما تنزل الصفات الملائكية { إِلاَّ بِٱلحَقِّ } [ الحجر : 8 ] أي : إلا بالنفس مطمئنة مستحقة مستعدة بهذه الصفات ولو أنزلت قبل أوانها وكمال استعدادها القبول { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [ الحجر : 8 ] أي مؤخرين من الهلاك والتلف لضيق نطاق طاقتهم . ثم أخبر عن سطوة سلطان الذكر أي : أنها محفوظة بكلام الحق بقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] إلى قوله : { بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [ الحجر : 15 ] . قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } [ الحجر : 9 ] أي : في قلوب المؤمنين وهو قوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ الصافات : 35 ] نظيره { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [ المجادلة : 22 ] ، وقوله : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الفتح : 4 ] والمنافق يقول : لا إله إلا الله ، ولكن لم ينزله الله في قلبه فلم يحصل فيه الإيمان { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] أي : في قلب المؤمن ، ولو لم يحفظ الله الذكر والإيمان في قلب المؤمن لما يقدر المؤمن على حفظه ؛ لأنه ناسٍ وأسلكه الله في قلبه . { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } [ الحجر : 10 ] أي : أسلكنا الإيمان والكفر في قلوب { شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } [ الحجر : 10 ] فمن أسلكنا في قلوبهم الكفر .