Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 21-25)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن دقائق خزائنه كقوله تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } [ الحجر : 21 ] إلى قوله : { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [ الحجر : 25 ] . قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } [ الحجر : 21 ] يشير إلى أن لكل شيء خزائن مختلفة متناسبة له كما لو قدرنا شيئاً من الأجسام ، فله خزانة لصورته وخزانة لاسمه ، وخزانة لمعناه ، وخزانة للونه ، وخزانة لرائحته ، وخزانة لطعمه ، وخزانة لطبعه ، وخزانة لخواصه ، وخزانة لأحواله المختلفة الدائرة عليه بمرور الأيام ، وخزانة لنفعه وضره وخيره ، وخزانة لظلمته ونوره ، وخزانة لملكوته وغير ذلك وهو خزانة لطف الله وقهره ، وما من شيء إلا وفيه لطف الله وقهره مخزون وقلوب العباد وخزائن صفات الله تعالى بأجمعها . { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [ الحجر : 21 ] أي : وما ننزل أشياء مما في خزائنه إلا بقدر ما هو معلوم منا في الأزل لحكمتنا البالغة المقتضية لإيجاده وإنزاله { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } [ الحجر : 22 ] أي : رياح العناية { لَوَاقِحَ } يلقح في أشجار القلوب ليحمل بأزهار الشواهد وأثمار الكشوف ، كما قال بعضهم : رياح الكرم إذا هبت على أسرار العارفين أعتقتهم من هواجس أنفسهم ورعونات طباعهم وفساد هواهم ومراداتهم ، وتظهر في القلوب نتائج الكرم وهو الاعتصام بالله والاعتماد عليه والانقطاع عما سواه إليه { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الحجر : 22 ] أي : سماء الهداية { مَاءً } [ الحجر : 22 ] بالحكمة والموعظة { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } [ الحجر : 22 ] ليربي به الأخلاق الحميدة والأوصاف الكريمة ويثمر الأعمال الصالحة { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ } [ الحجر : 22 ] أي : لماء الحكمة { بِخَازِنِينَ } [ الحجر : 22 ] في أصل الخلقة وأنه لفي خزانة الحق تعالى ينزل على من يشاء لقوله تعالى : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 269 ] والحكمة صفة من صفاته { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } وليست الحكمة من صفات المخلوقين ، وإنما سمى الفلاسفة الحكمة هي المعقولات وهي من نتائج العقل والعقل من صفات المخلوقين فكما لا يجوز أن يقال لله : " العاقل " ، لا يجوز أن يقال للمخلوق : " الحكيم " إلا بالمجازات أتاه الله الحكمة { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي } قلوب أوليائنا بأنواع رجالنا { وَنُمِيتُ } نفوسهم بسطوة نظرات جلالنا { وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } بعد إفناء وجودهم ليبقوا ببقائنا . { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } [ الحجر : 24 ] أي : علمنا في الأزل من المستقدم إلينا بنا ومن المستأخر منا بالخذلان ، وأيضاً من المستقدم عند خروجه من العدم ومن المستأخر ، وأيضاً من المستقدم إلى الوجود ومن المستأخر في العدم ، فإن في العدم من مقدورات الحق ما لا نهاية له { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } [ الحجر : 25 ] أي : يحشر المستقدمين إلى حظائر قدسه بفضله وكرمه ويحشر المستأخرين إلى أسفل السافلين بقهره وعزته { إِنَّهُ حَكِيمٌ } [ الحجر : 25 ] بحكمته يحشر كل طائفة من الفريقين إلى ما هم مستحقين به { عَلِيمٌ } [ الحجر : 25 ] باستحقاق كلا الفريقين .