Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 120-123)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن طالبه أن يكون بانفراده أمة بقوله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ } [ النحل : 120 ] إشارة إلى أن من جذبته العناية الأزلية عن منيته ، وقلعته النفحات الربانية عن طينة بنيته ، واستخلصه بنار الغيرة عن غش القربة الأزلية ، وارتفعت الشركة وبقيت الوحدة ، وتحققت خصوصية الخلة والمحبة ، واختصه بمراتب جماله وجلاله ، يكون بمثابة أمة مطيعة قابلة لمرائية صفاته ، وهم زبدة المكونات وخلاصة الموجودات فإنها بجميعها خلقت مظهرة لصفاته ليعرف بها كما قال : " فخلقت الخلق لأُعرف " ، وفيه إشارة إلى أنه لو لم يكن في زمانه مؤمن إلا هو بنفسه أمة مطيعة اجتمع فيها ما هو المراد أن يكون في أمة زمانه { حَنِيفاً } [ النحل : 120 ] أي : ملائماً عن غير الحق بالحق للحق { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ النحل : 120 ] يعني : كان فانياً في الله باقياً به لم يمكن ممن له شركة مع الله في الوجود . { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النحل : 121 ] والإنعام في نعمة النبوة والرسالة ، ونعمة الخلة ، ونعمة الاجتباء ، ونعمة الهداية إلى صراط مستقيم هو صراط إلى الله ، ونعمة الخصائل التي جمعها الله فيه ليكون بها أمة بنفسه { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } [ النحل : 122 ] وهي أنه جعل أكثر الأنبياء من نسله لا سيما محمد صلى الله عليه وسلم وأمره باتباعه . { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ النحل : 122 ] وفيه إشارة إلى استجابة دعائه ، فإنه دعا ربه وقال : { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ الشعراء : 83 ] فأجابه وقال : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ النحل : 122 ] إلحاقاً بهم في قوله : { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [ النحل : 123 ] إشارة إلى أن الله تعالى لمَّا بين كمالات مقام إبراهيم عليه السلام وما أنعم الله عليه بأمره باتباعه ؛ ليهتدي بهداه ويقتضي به في بذل الوجود لمولاه ؛ إذ رمى في النار وقال : { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ النحل : 123 ] لئلا يرضى بالشركة مع الله في الوجود ، فلمَّا سلك النبي صلى الله عليه وسلم طريق متابعته وسلَّم وجهه لله ليذهب إلى الله ، كما ذهب إبراهيم عليه السلام وقال : { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي } [ الصافات : 99 ] نودي في سفره : إن إبراهيم كان خليلنا ، وأنت حبيبنا فالفرق بينكما أن الخليل لو كان ذاهباً يمشي بنفسه فالحبيب يكون راكباً أسري به ، فلمَّا بلغ سدرة المنتهى وجد مقام الخليل عندها فقيل له : إنها السدرة لمقام الخليل لو رضيت بها لنرينها لك ، { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [ النجم : 16 ] لعلو همته الحبيبية { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } [ النجم : 17 ] بالنظر إليها { وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 17 ] باتخاذ المنزل عندها { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 8 - 9 ] وهي مقام الحبيب فبقى مع الله بلا هو في خلوة لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب وهو جبريل ولا نبي مرسل وهو هويته ، فلمَّا جاوز حد المتابعة صار متبوعاً ، فإن كان هو صلى الله عليه وسلم في الدنيا محتاجاً إلى متابعة الخليل ، فالخليل يكون في الآخرة محتاجاً إلى شفاعته ، كما قال : " الناس يحتاجون إلى شفاعتي يوم القيامة حتى إبراهيم .