Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 42-48)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [ الكهف : 42 ] أي : أحاط بأنواع شهواتها الهلاك والفساد { فَأَصْبَحَ } [ الكهف : 42 ] أي : النفس يوم القيامة { يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } [ الكهف : 42 ] حسرة وندامة { عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا } [ الكهف : 42 ] من العمر والاستعداد لقبول الكمال ، { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } [ الكهف : 42 ] أي : جنة الدنيا ساقطة خالية عما فيها { وَيَقُولُ } [ الكهف : 42 ] النفس { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } [ الكهف : 42 ] أي : لم أشرك بعبادة ربي عبادة الهوى والدنيا { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ } [ الكهف : 43 ] صفات وأخلاق حميدة { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ الكهف : 43 ] أي : يدفعون عنه عذاب الله { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } [ الكهف : 43 ] ممتنعاً من العذاب { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } [ الكهف : 44 ] أي : الحق مع أهل ولاية الله يومئذٍ إذ لم يشركوا بعبادة الله الهوى ، ولم يتخذوا من دون الله ولياً وما أنفقوا عمرهم في طلب غير الله وما صرفوا حسن استعدادهم إلا لقبول فيض الله بلا واسطة { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً } [ الكهف : 44 ] لأهل ولايته من ثواب أهل الدنيا وثواب أهل الآخرة { وَخَيْرٌ عُقْباً } [ الكهف : 44 ] لهم إذ صاروا إلى الله إذ صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار فافهم جدّاً . ثم أخبر عن حال الفانيات والباقيات بقوله تعالى : { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ } [ الكهف : 45 ] يشير إلى أن الماء هو الروح العلوي الذي أنزله إلى أرض الجسد ، { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } بالروح { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } [ الكهف : 45 ] وهي الأخلاق الذميمة النفسانية ، فإن اتصف الروح العلوي بالخذلان أي : أرض النفس ونبات صفاتها حتى يختلط بها فإنه يتطبع بطبع النفس السفلية ويتصف بصفاتها ويتخلق بأخلاقها ، { فَأَصْبَحَ هَشِيماً } [ الكهف : 45 ] قد تلاشت منه نداوة الأخلاق الروحانية الحميدة بجذب هواء الطبيعة { تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ } [ الكهف : 45 ] أي : تفرقه رياح الأهوية المختلفة حتى أهلكته في وادٍ من الأودية السفلية وهذا تحقيق قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } [ التين : 4 ] أي : الروح الإنساني { فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 4 - 5 ] وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] إذا أخلي إلى طبيعته الإنسانية فأما الذي أدركته العناية الأزلية بعد تعلق الروح بالحب كتعلق الماء بالأرض فيبعث الله إليه لنفسه دهقان من دهاقين الأنبياء والأولياء معه بذر الإيمان والتوحيد ؛ ليلقيه بيد الدعوة وتبليغ الرسالة في أرض نفسه فيقع منها في تربة طيبة وهي القلب كما ضرب الله تعالى : { مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } [ إبراهيم : 24 ] . وكقوله : { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } [ الأعراف : 58 ] فينبت عن بذر التوحيد وهي كلمة لا إله إلا الله شجرة الإيمان بماء الشريعة فتعلو به الروح من أسفل الإنسانية إلى أعلى الدرجات الروحانية وأقرب منازل قربات الربانية كقوله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] وهذا تحقيق قوله : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } [ التين : 5 - 6 ] وقوله : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ والعصر : 2 - 3 ] . { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } [ الكهف : 45 ] قادر على أن يخلده ويبقيه في أسفل سافلين الجسمانية الحيوانية ليصير الروح العلوي { كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الفرقان : 44 ] وعلى أن يجذبه بجذبات العناية إلى أعلى عليين مراتب القرب ليكون مسجوداً للملائكة المقربين في قوله : { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الكهف : 46 ] إشارة إلى أن حياة الدنيا كما تحققت أنها فانية فكذلك زينتها التي هي المال والبنون فانية . { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ } [ الكهف : 46 ] وهي ترك الدنيا وزينتها طلباً لخالقها وبارئها بالإيمان والإخلاص والمتابعة { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [ الكهف : 46 ] لأن ثواب الدنيا وأملها فانٍ وثواب الله وأمله باقٍ كقوله : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [ النحل : 96 ] وأيضاً الباقيات الصالحات أي : ما فني منك وبقي بربك بإفنائه وإبقائه خير لك عند ربك ثواباً وخير أملاً ؛ لأن ثوابك عند ربك بفنائك فيه وبقائك به . ثم أخبر عن أحوال القيامة وأهوالها بقوله تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } [ الكهف : 47 ] يشير إلى عزته وعظمته ، وإظهار سلطته من جلاله وقهره وآثار عدله ؛ لينتبه النائمون من نوم غفلتهم ويتأهب الغافلون أسباب النجاة لذلك اليوم ويصلحوا أمر سريرتهم وعلانيتهم لخطاب الحق تعالى وجوابه ؛ إذ إليه المرجع والمآب . { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً } أي : صفاً صفاً من الأنبياء والأولياء والمؤمنين والكافرين والمنافقين ويقال لهم : { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } في أربعة صفوف : صف من الأنبياء ، وصف من الأولياء ، وصف من المؤمنين وصف من الكافرين والمنافقين ، وفيه معنى آخر { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ } أي : كما قدرناكم أن تكونوا طبقات شتى ، وفيه معنى آخر على ما خلقناكم من { أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } [ الواقعة : 9 ] ، { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ الواقعة : 10 - 11 ] . { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } [ الكهف : 48 ] هذا خطاب أصحاب المشأمة .