Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 167-170)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولهذا قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } [ البقرة : 165 ] ، { كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ } [ البقرة : 167 ] أي : حاصل معاملاتهم يريهم بأنواع العذاب العقوبات والحسرات على ما فاتهم من الدرجات والقربات والكرامات ، وفيه معنى آخر أن الله يراهم حاصل أعمال المؤمنين من المقامات العلية الدرجات الرفيقة ليزيدهم حسرات : @ أَيُّها القانِصُ ما أَحــ سَنتَ صَيدَ الظَبَياتِ فاتَكَ السِربُ وَمـازُو وِدتَ غَيرَ الحَسَراتِ @@ { وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 167 ] ، الحسرة والقطيعة أبد الآباد . ثم أخبر عن ما يدل المؤمنين على اتباع الخير واجتناب الشر بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً } [ البقرة : 168 ] ، الآيتين والإشارة فيهما أن أكل الحلال الطيب يورث القيام بطاعة الله والاجتناب عن اتباع خطوات الشيطان ، والحلال ما أباح الله أكله والطيب ما لم يكن مشوباً بالشبهة من حقوق الخلق ، ولا بسرقة حظوظ النفس والدليل على ذلك ما ذكرنا قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } [ المؤمنون : 51 ] ، وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ البقرة : 172 ] ، والإشارة فيه أن العمل الصالح نتيجة أكل الحلال الطيب ، وإنما لم يذكر هنا الحلال لأنه يكتفي بالطيب من الحلال ، فإنه لا يكون الطيب إلا أن يكون حلالاً على ما أدلنا هما فكل طيب حلال طيب ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ المؤمنون : 51 ] ، وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ، " ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك " ذلك حديث صحيح أخرجه مسلم - رحمه الله - برواية أبي هريرة رضي الله عنه فظهر الفرق بين الحلال وبين الطيب بأن الله طيب ؛ يعني غير مشوب بعيب أو شبهة مثل ولا يقال له : إن الله حلال . وفي قوله تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } [ البقرة : 168 ] أي : أوامره ، بيانه قوله تعالى : { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ } [ البقرة : 169 ] ، الإشارة فيها أن لا تتبعوا أوامره { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ البقرة : 168 ] ، واتبعوا أوامر الله ورسوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } [ المائدة : 55 ] . ثم فسر خطوات الشيطان وبين عداوته بقوله تعالى : { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ } [ البقرة : 169 ] ، النفس { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 169 ] ، فالسوء كل معصية فيها حظ النفس ، بيانه قوله تعالى : { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } [ يوسف : 53 ] ، والنفس لا تأمر بما فيه حظها ، والفحشاء كل معصية فيها حظ للشيطان وحظه في الإغواء والإضلال ، بيانه قوله : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] وقال : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ } [ النساء : 119 ] وليس للشيطان حظ فيما فيه للنفس حظ ؛ لأن الشيطان عدو للإنسان لا يرضى له أن يظفر بشيء من حظوظ الروحانية والنفسانية إلا بالاضطرار عند التعجز عن إضلال الإنسان وإغوائه على وجه يكون له قسمة خسارة الدنيا والآخرة ، فيرضى له حينئذ بارتكاب معصية يكون فيها حظ من حظوظ النفس ، وكذلك ليس حظ النفس فيما للشيطان فيه حظ من الضلالة والغواية إلا أن يمنيها الشيطان بسبعية حظ من حظوظها كما قال : { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } [ النساء : 119 ] فتقع النفس عن الضرورة في ورطة الضرورة بتبعية استيفاء حظها ، فعلى هذا ثبت أن السوء اختصاص بما فيه للنفس حظ ، ولو استعمل في غير ذلك ولهذا قال تعالى : { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } [ البقرة : 268 ] ، والفحشاء من الضلالة والغواية وهي المعتقدات الفاسدة والشبهات العقلية ألقها الشيطان في قلوب أهل الزيغ والضلال والأهواء المختلفة عند حرمانهم عن أنوار متابعة الأنبياء - عليهم السلام - واستبدادهم بآرائهم واقتدائهم بعقولهم المعلولة بآفات الحسن والوهم والخيال وظلمة الطبع التي لا تفارق العقل إلا بظهور نور الشرع ، فأوقعهم في أودية الهلاك مثل الفلاسفة والإباحية ، فاعتقدوا شيئاً بين الكفر والإباحة والزندقة ، فضلوا كثيراً وأملى عليهم الشيطان بعض مقعدهم حتى تلفظوا بها ، كما قال تعالى : { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 33 ] يعني : ما لا علم بكم به من علم التوحيد الفطري { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] وأخذ عنهم الإقرار والعهد بها بقوله { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] ، قالوا : { بَلَىٰ } أما هذا من لقاء الشيطان وإملائه بمثابة كيده كقوله : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ الأعراف : 183 ] تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً . ثم أخبر عن جهلهم في الاقتداء بتقليد الآباء بقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } [ البقرة : 170 ] ، والإشارة فيها أنه لا عبرة من أمر الدين بتقليد الآباء ، واتباع مذاهبهم كقوله تعالى : { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } ، بل الواجب على العبد اتباع ما أنزل الله بصدق النية في الطلب ، وخلوص الطوية في العمل ، وفي قوله تعالى : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ البقرة : 170 ] ، إشارة إلى قطع النظر عن أسلافه وأتباعهم واتباع أهل الأهواء المختلفة والبدع الذين لا يعقلون شيئاً من طريق الحق ، وضلوا في تيه محبة الدنيا ، ويدعون أنهم أهل العلم وأهل الخرقة ، وليسوا من أهل الخرقة ، واتخذوا العلم والخرقة حرفة ومكسباً للمال والجاه ، ويقطعون الطريق على أهل الطلب للطلب ، كما قال في بعض الكتب المنزلة : لا تسألن عني عالم أسكرته حب الدنيا ، فأولئك قطاع الطريق على عبادي { وَلاَ يَهْتَدُونَ } طريق الحق لأنفسهم ليرجعوا عما هم فيه من الحرص على الدنيا ومتابعة الهوى ، وفيه إشارة أن من يكن على عبادة جادة الحق ، وقدمه ثابتة على صراط مستقيم الشريعة ، وعنده معرفة سلوك مقامات الطريقة ، فيجوز الاقتداء به إذ هو من أهل الاهتداء على عالم الحقيقة دون مدعي الشيخوخة بطريق من الآباء ، ولا حظ لهم من طريق الاهتداء ، فإنهم لا يصلحون للاقتداء وهذا حال أكثر المشايخ في زماننا تاب الله عليهم وأصلح بالهم .