Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 64-68)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [ البقرة : 64 ] ، وهو سبق العناية في البداية وتوفيق أخذ الميثاق بالقوة في الوسط ، وقبول التوبة وتوفيقها والثبات عليها في النهاية ، { لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ البقرة : 64 ] ، المصرِّين على العصيان المغبونين بالعقوبة والخسران ، والمبتلين بذهاب الدنيا والعقبى ونكال الآخرة والأولى ، كما كان حال المصرِّين منكم والمعتدين بقوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ } [ البقرة : 65 ] ، بالخذلان وتقديم العصيان { فَقُلْنَا لَهُمْ } [ البقرة : 65 ] ، قهراً وفراً { كُونُواْ قِرَدَةً } [ البقرة : 65 ] ، أمراً منا وحكماً جزماً { خَاسِئِينَ } [ البقرة : 65 ] ، مردودين إلى دركات الحيوانات والسبعيات . { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً } [ البقرة : 66 ] ، فضيحة وغيره { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } [ البقرة : 66 ] ، لمن تكون في زمانهم وعهدهم { وَمَا خَلْفَهَا } [ البقرة : 66 ] ، ومن يكون بعد زمانهم إلى يوم القيامة فيعتبرون ويتعظون بهم المؤمنون المتقون عن البلايا بالرجوع إلى الحق عند الابتلاء . كما قال تعالى : { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 66 ] ، فهذا البلاء والخسران جزاء فمن لم يعرف قدر الإحسان ويكافئ النعم بالكفران يرد من عزة الوصال إلى ذل الهجران ورسوم الصدود والخذلان ، وكانت عقوبة الأمم بالمسخ والخسف على الأجساد ، وهذه الأمة بالخسف والمسخ على القلوب ، وعقوبات القلوب أشد من عقوبات النفوس ، قال الله تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ } [ الأنعام : 110 ] ، هكذا حال من لم يتأدب في خدمة الملوك ينخرط في إيتاء السلوك ، ومن لم يتخط بساط القربة بقدم الحرقة يستوجب الحرمان ويستجلب الخسران ويبتلى بسياسة السلطان . ثم أخبر عن ابتلائهم بذبح البقرة إظهاراً لسر القدرة بقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [ البقرة : 67 ] ، إلى قوله { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [ البقرة : 71 ] والإشارة في تحقيق الآيات الخمس في قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [ البقرة : 67 ] ، إشارة إلى ذبح بقرة النفس البهيمية ، فإن في ذبحها حياة القلب الروحاني ، وهذا هو الجهاد الأكبر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بقوله : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " ، ويقوله للمجاهد نفسه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " موتوا قبل أن تموتوا " ، أيضاً إشارة إلى هذا المعنى . { قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً } [ البقرة : 67 ] أي : تستهزئ بنا في ذبح النفس وليس هذا من شأن كل ذي نفس دنية { قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [ البقرة : 67 ] ، الذين يظنون أن ذبح النفس أمر هين ويستبعد له كل تابع الهوى وعابد الدنيا { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } [ البقرة : 68 ] ، أن يبين { إِنَّهَا بَقَرَةٌ } [ البقرة : 68 ] ، نفس تصلح للذبح بسيف الصدق فإشارة إلى بقرة نفس { لاَّ فَارِضٌ } [ البقرة : 68 ] ، في سن الشيخوخة متعجزاً عن سلوك الطريق لضعف المشيب وحملاً لقوى النفسانية ، كما قال بعض المشايخ : الصوفي بعد الأربعين نادر . { وَلاَ بِكْرٌ } [ البقرة : 68 ] ، في سن الشباب فإنه بشهوته سكره { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [ البقرة : 68 ] أي : عند كمال العقل والكهولة تعبد الشيخوخة ، وتجنن رعونة الشباب كقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [ الأحقاف : 15 ] ، { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } [ البقرة : 68 ] ، فإنكم إذا تقربتم إلى الله تعالى بما أمرتم فإن الله يتقرب إليكم بما وعدتم ، فإنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً في الشيب والشباب .