Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 131-135)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بقوله تعالى : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [ طه : 131 ] يشير إلى : عيني البصر والبصيرة وهما عين الرائين وعين القلب ، واختص النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب واعتز بهذا العتاب لمعنيين أحدهما ؛ لأنه مخصوص من جميع الأنبياء بالرؤية ، ورؤية الحق تعالى لا تقبل الشرك ، كما أن اللسان بالتوحيد لا يقبل الشرك والقلب بالذكر لا يقبل الشرك وهو مد العين { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [ طه : 131 ] وهو الدنيا والآخرة ، ولكن اكتفى بذكر الواحد عن الثاني والأزواج أهل الدنيا والآخرة ، والثاني : للغيرة ، فإن غيرة الحبيب عظيمة والله أغير منها ، ولهذا حرم { ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأعراف : 33 ] أن اغسل عيني ظاهرك وباطنك بماء الغيرة عن صفة رؤية الدنيا والآخرة ؛ لاستحقاق اكتحالهما بنور جلالته لرؤية جمالنا ، وإنما متعنا أهل الدين بها عزة حضرة جلالنا ؛ لنفتنهم فيه باشتغالي بتمتعات الدارين عن الوصول إلى كمال رؤية جمالنا ، قيل : قرئ عند الشبلي : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ } [ يس : 55 - 56 ] فشهق شهقة ، وقال : يا مساكين لا يدرون عمَّا شغلوا حين شغلوا . { وَرِزْقُ رَبِّكَ } [ طه : 131 ] أي : ما رزقك الله من رؤيته { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ طه : 131 ] مما متعناهم به من الدنيا والآخرة ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " فلهذا التأديب حفظ الأدب { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 16 - 17 ] فأكرم بكرامة { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النجم : 18 ] فنودي في سره أنك لمَّا غمضت عينيك عمَّا سوانا أسعدناك بسعادة { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [ النجم : 11 ] وشرفناك بتشريف { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } [ الفرقان : 45 ] . وبقوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ } [ طه : 132 ] يشير إلى : أهل الخاصة وهو : الجسد والنفس والقلب والسر والروح ، فصلاة الجسد : الفرائض والنوافل ، وصلاة النفس : خروجها عن حضيض البشرية إلى ذروة الروحانية ، وخروجها عن أوصافها لدخول الجنة المشرفة بالإضافة إلى الحضرة بقوله تعالى : { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } [ الفجر : 29 - 30 ] وصلاة القلب : دوام المراقبة ولزوم المحاضرة لقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } [ المعارج : 23 ] ، وصلاة السر : عدم الالتفات إلى ما سوى الله تعالى مستغرقاً في بحر المشاهدة كما قال صلى الله عليه وسلم : " من يطع الرسول فقد أطاع الله " لأنه الفاني عن نفسه الباقي بربه . قوله تعالى : { وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [ طه : 132 ] أي : واصبر على استقامة هذه الأحوال كقوله تعالى : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [ هود : 112 ] ولا تهتم لرزقك ورزق غيرك . { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } [ طه : 132 ] لأحدهما عندك { نَّحْنُ نَرْزُقُكَ } [ طه : 132 ] مما عندنا ونغنيك عمَّا عندك كما قال الله تعالى : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } [ الضحى : 8 ] من هنا كان يقول صلى الله عليه وسلم : " أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } [ طه : 132 ] أي : لمن اتقى بالله عمَّا سواه . { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [ طه : 133 ] أي : وقد أتاهم بآية من ربه وهو القرآن الذي فيه بيان ما في الكتب المنزلة ، وقد آمن به ورأى إعجازه من كان ذا بصيرة ، واستدل بما أنزل في الكتب من محمد صلى الله عليه وسلم وقصته ، فإنه أعظم الآيات أوضح الدلالات ، ولكنهم صم بكم عن رؤية الآيات ، فإنها لم تر بالأبصار وإنما ترى بالبصائر كقوله تعالى : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] ثم قال الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ } [ طه : 134 ] أي : قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم { لَقَالُواْ } [ طه : 134 ] يوم القيامة احتجاجاً { رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } [ طه : 134 ] أي : التي أنزلت معه { مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ } [ طه : 134 ] بذل الضلالة في الدنيا { وَنَخْزَىٰ } [ طه : 134 ] بعذاب الآخرة . { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ } [ طه : 135 ] من أهل السعادة والشقاوة ؛ لاستعمالهم فيما خلقوا له { فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ } [ طه : 135 ] وهو صراط الله تعالى للذاهبين إليه { وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 135 ] بالوصول إليه ، ومن انقطع عنه باتصال غيره كما قال بعضهم : سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار .