Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 10-13)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبقوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [ النور : 10 ] يشير إلى كمال فضله على عباده بأن أجلَهم بالعقوبة إلى الآخرة لعلهم يتوبون في الدنيا فغفر لهم وستر عليهم عاجلاً ، ودفع عنهم الحد باللعان حكمة منه ، والحكمة في ذلك أنه كما ستر في الدنيا ولم يفضحهم بإظهار صدقهم وكذبهم أجلهم بالعقوبة لدرك التوبة كذلك جعل سنة اللعان باقية بين المسلمين ليكون حكمة باقية بينهم . ثم أخبر عن عصبة قصة الإفك بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ النور : 11 ] يشير إلى أنه تعالى لا يجري على عباده إلا ما يكون حقيقة اللطف ، وإن كان في صورة القهر تأديباً وتهذيباً لهم وموجباً لرفعة درجاتهم وزيادة في رتبتهم ، وأن قصة الإفك وإن كانت في صورة القهر كانت في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي حق عائشة وأبويها وجميع الصحابة رضي الله عنهم ابتلاءً وامتحاناً لهم وتربية وتهذيباً ، فإن البلاء للولاء وكاللهب بالذهب ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " يبتلى الرجل على قدر دينه " فإن الله غيور على قلوب خواص عباده المحبوبين فإذا حصلت مساكنة بعضهم إلى بعض يجري الله تعالى ما يرد كل واحد منهم عن صاحبه ويرده إلى حضرته ، " وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة فساكنها وقال : " يا عائشة حبك في قلبي كالعقدة " " . وفي بعض الأخبار أن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إني أحبك وأحب قربك ، فأجرى الله تعالى حديث أهل الإفك حتى ردَّ رسول الله قلبه عنها إلى الله تعالى بالخلال عقد حبها عن قلبه ، وردت عائشة - رضي الله عنها - قلبها عنه إلى الله حيث قالت لما ظهرت براءة ساحتها : بحمد الله لا بحمدك فكشف صبابة تلك المحبة وأزال الشك وأظهر براءة ساحتها حين أدبهم وهذبهم وقربهم وزاد في رفع درجاتهم وقرباتهم { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ } من أصحاب الإفك { مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ } على حسب سعايتهم وفساد ظنهم وهتك حرمة حرمانيتهم { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ } في الخوض ابتداء . { مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } يؤاخذ بجرمه وهو خسارة الدنيا والآخرة لأنه " من سن سنة سيئة فله وزرها وزر من عمل بها إلى يوم القيامة " . وفيه إشارة إلى أخرى وهي أن الطريق إلى الله تعالى طريقان أهل السلامة وطريق أهل الملامة ، فطريق أهل السلامة : ينتهي إلى الجنة ودرجاتها ؛ لأنهم محبوسون في حبس وجودهم ، طريق أهل الملامة : بطريق أهل السلامة ينتهي إلى الله تعالى ؛ لأن الملامة مفتاح باب حبس الوجود وبها يذوب الوجود ذوبان الثلج بالشمس ، فعلى قدر ذوبان الوجود يكون الوصول إلى الله تعالى فأكرم الله تعالى عائشة - رضي الله تعالى عنها - يخرجه من ظلمات وجوده المخلوقة إلى نور القدم . بقوله تعالى : { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } [ النور : 12 ] يُشير إلى أن شرط الإيمان شرك الاعتراض على حرم النبي صلى الله عليه وسلم وترك بسط اللسان بالسوء إليها وظن الخير في حقها ، وأن المؤمنين معاتبون على المبادرة إلى ظن السوء بها ، وجعل من أمارات الإيمان أن ينظر إلى هذه القصة بنور الإيمان فيعرفوا بإفك وبهتان وعلموا أنه إفك { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ النور : 13 ] وبأن يأتوا بالشهادة .