Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [ النور : 1 ] يُشير إلى أن سور القرآن كلها منزلة سورة سورة كل سورة مشتملة على معان وأحكام أخرى ، وهذه السورة أنزلناها وفرضناها أي : جعلناها فرضاً واجباً قبول ما بينا فيها { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } من براءة الصديقة ابنة الصديق حبيب رب العالمين ، { لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ النور : 1 ] تتعظون وتحترزون عن مثل هذا الإفك والبهتان العظيم . وبقوله تعالى : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } [ النور : 2 ] يُشير إلى أن النفس إذا زنت وزناها بالتسليم لغير الله تسلمت لتصرفات الشيطان والدنيا فنهاها الله تعالى عنه ، وإلى الروح إذا زنى وزناه تصرفه في الدنيا وشهواتها فنهاه الله عنها ، { فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } [ النور : 2 ] من الجوع وترك الشهوات والمرادات تزكية لهما وتأديباً { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } [ النور : 2 ] يعني : إذا دعيتم محبة الله فابغضوا مخالفي أمره ، ولا ترحموا أنفسكم ولا أرواحكم على مخالفة الله فإنهم يظلمون على أنفسهم لجهلهم بحالهم ، وإن رحمتك عليهم في ترك تزكيتهم وتأديبهم كترك الوالد علاج ولده المريض شفقة عليه ليهلك ، فيلزم من هذه الرحمة أمران مذمومان : أحدهما : الإعراض عن الله بالإقبال على شفقة مخالفيه ، والثاني : السعي : في هلاك قاتل نفسه بألا يأخذ على يده ليهلك نفسه فأدبوهما . { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي : يجازيكم بالخير خيراً وبالشر شرّاً { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النور : 2 ] به يشير إلى شهود أهل الصحبة يذكر النفس ، ويؤدب الروح بمشهد شيخ واصل كامل ؛ ليحفظ من طرفي الإفراط ويهديه إلى صراطه المستقيم وهو صراط الله ويسلكه فيه . وبقوله تعالى : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } [ النور : 3 ] يُشير إلى ان الحذر من إخوان السوء والحث على مخالطة أهل الصحبة والإخوان في الله ، فإن الطبع من التطبع يسرق وإن للناس أشكالاً ؛ فكلُّ نظيرٍ مع شكله ، وكلُّ يُساكِنُ شكله ، كما قال بعضهم : @ عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينِهِ فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ مُقتَدِ @@ أهلُ الفسادِ الفسادُ يجمعهم وإن تَبَاعَدَ مزارُهم ، وأهل السدادِ السدادُ يجمعهم وإن تناءت ديارهم { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : مخالطة إخوان الشر لئلا يؤثر فيهم فساد حالهم وسوء أخلاقهم . ثم أخبر عن أرباب الغفلات في رمي المحصنات بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } [ النور : 4 ] يُشير إلى غاية كرم الله ورحمته على عباده بأن يستر عليهم ما أراد بعضهم إظهاره على بعض ، ولم يظهر صدق أحدهما أو كذبهما ، فلذا أوجب عليهم الحدود وقبول شهادتهم أبداً وسماهم الفاسقين ، وليتصف بصفاته الستارية والكريمية والرحيمية فيما يسترون عيوب إخوانهم المؤمنين ولا يتبعون عوراتهم ، وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم على من يتبع عورات المسلمين فإنه من يتبع عوراتهم يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وقال صلى الله عليه وسلم : " من ستر عورته ستر الله عليه في الدنيا والآخرة " . وفي قوله تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 5 ] إشارة إلى كمال عتابه في حق عباده بانه يقبل توبتهم من ارتكاب الذنوب العظام ، وفيه إشارة إلى أن بمجرد التوبة لا يكون مقبولاً إلا بشرط إزالة حاله وإصلاح أعماله وأحواله { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 5 ] لمن تاب وأصلح حاله .