Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 56-60)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أهل الهداية في الهداية بقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] يشير إلى أن الهداية في الحقيقة فتح باب العبودية إلى عالم الربوبية وذلك من خصائص قدرة الله تعالى لأن لقلب العبد بابين : باب إلى النفس والجسد وهو مفتوح أبداً وباب الروح في الحضرة وهو مغلوق لا يفتحه إلا الفتاح الذي بيده المفتاح . كما قال تعالى لحبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ } [ الفتح : 1 - 2 ] أي بأن يهديك { صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [ الفتح : 2 ] إلى الحضرة كما هداه ليلة المعراج إلى أقرب أو أدنى وقال في حق المغلوق أبواب قلوبهم { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [ محمد : 24 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقبله كيف يشاء فإن يشاء أقامه وإن شاء أزاغه " فالنبي صلى الله عليه وسلم مع جلال قدره لم يكن آمناً على قلبه وكان يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلب عبدك على دينك وطاعتك " والهداية عبارة عن تقليب القلب من الباطل وهو ما سوى الله إلى الحق وهو الحضرة فليس هذا من شأن غير الله كما قال تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [ القصص : 56 ] وهم الذين أصابهم رشاش النور المرشش على الأرواح كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليه من نوره فمن أصابه ذلك النور قد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل " . وبقوله : { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } [ القصص : 57 ] يشير إلى مقالة النفس وصفاتها تحت القلب لقالوا اتبعنا هدى الله معك نتخطف بجذبات الألوهية من أرضنا أرض الأنانية قال الله تعالى : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } [ القصص : 57 ] في الهوية { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ القصص : 57 ] أي حقائق كل ثمرة روحانية وجسمانية ولذائذ كل شهوة راجعة إليه إذ هي صارت منه وفي حقيقة لذائذه وإليه يعود { رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } [ القصص : 57 ] لا من لون المخلوقات { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } [ القصص : 57 ] أن أكثر الخلق { لاَ يَعْلَمُونَ } [ القصص : 57 ] كمالية ذوق الرزق اللدني كما لا يعلمون أكثر العلماء دون العلم اللدني ؛ لأنهم لم يذوقوه ومن يذق لا يدري . ثم أخبر عن هلاك البشر في دعوى البطر بقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ } [ القصص : 58 ] ، فيه الإشارة في تحقيق الآيات بقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } [ القصص : 58 ] يشير إلى قلوب أفسد شعورها عيش النفوس البطرة المتنعمة { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ } [ القصص : 58 ] ، وهي الصدور { لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ } [ القصص : 58 ] أي : من فساد حالهم ما يسكن فيها نور الإسلام { إِلاَّ قَلِيلاً } [ القصص : 58 ] من نور الإسلام ، ذلك أن مسكن نور الإسلام الصدر قال تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } [ القصص : 58 ] بأن يرجع نور الإسلام إلى الحضرة لعدم استعداده لقبول الأنوار { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } [ القصص : 59 ] أي قرى القلوب { حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا } [ القصص : 59 ] أي روحها فإن القلب من سر تلك الروح { رَسُولاً } [ القصص : 59 ] أي : ورده من نفحات الحق صلى الله عليه وسلم . كما قال تعالى : " ألا إن في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها " { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } أي : تصل روائح النفحات إلى سويداء القلوب هواء حب الدنيا وضيم شهواتها فأعرضت عن نفحة الحق وتعرضت لنفحات الشيطان وهو حبس النفس ، فأدركتها الغيرة الإلهية وأهلكتها نفحة الحق تعالى المتعرض لنفحة الشيطان الرجيم وذلك معنى قوله : { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [ القصص : 59 ] ، وبقوله : { وَمَآ أُوتِيتُم } [ القصص : 60 ] يا أرباب القلوب المهلكة والنفوس المتمردة أي : وما أوتيتم من مستلذات النفس وشهوات الدنيا { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ القصص : 60 ] أي هي فانية موجبة لعذاب الأبد { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } [ القصص : 60 ] كما قال : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ، { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ القصص : 60 ] لكم وهو موجب لسعادة الأبد { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ القصص : 60 ] لكي لا يؤثر السعادة الأبدية على الشقاوة الأبدية .