Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-45)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن وهن ولاة أهل الولاية فيما اتخذوه أولياء بقوله تعالى : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } [ العنكبوت : 41 ] يشير على أن مثل النفس وصفاتها في اتخاذها من دون الله أولياء من الهوى والدنيا والشيطان كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً لمعانٍ : أحدها : معنى قوله : { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 41 ] أنه سريع الزوال وشيك الانفصال ، وإن حاصل ولايتهم اليوم العداوة في الآخرة كما قال تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] يعني إلا الذين اتقوا عن اتخاذ الأولياء دون الله . والثاني : أن العنكبوت كلما زاد على نسجه في بيته ازداد بعد أمن الخروج فهو يعني ولكن سجناً على نفسه وقيداً على رجله بحيث يتوقع هلاكه ، كذلك من اتخذ الهوى والدنيا والشيطان أولياء سجن فيه بسلاسل الإضلال والإغواء على طريق الشهوات إلى مهلكة النيران ، ولا ينفعه استغاثة { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } [ الفرقان : 28 - 29 ] . والآخر : هو أن بيت العنكبوت أوهن البيوت ؛ لأنه بلا أساس ولا جدار ولا سقف ، فلا يمسك على أهون دفع ، كذلك الكافر لا أصل لشأنه ولا أساس لبنيانه { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً } [ النور : 39 ] . { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } [ العنكبوت : 42 ] من الهوى عن الحق تعالى وطلبه الخشية وركاكةٍ ودناءةٍ جبلت عليها { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } [ العنكبوت : 42 ] لا يطلبه ولا يقبل عليه إلا عزيز ، وهو أعز من أن يطلب الأذلاء ويهتدي إليه الأخشياء { ٱلْحَكِيمُ } [ العنكبوت : 42 ] فبالحكمة يعز من يشاء بالهداية ويذل من يشاء بالضلالة . وبقوله : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } [ العنكبوت : 43 ] أي : للناسين عهد الميثاق { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] يشير إلى أن الكل مشتركون في سماع الأمثال ، ولكن يتفرقون ويجتمعون في إدراك وفهم دقائقها ومعانيها وأسرارها ليسمعوا بسمع القول فما يعلقها إلا العالمون بالله ؛ لأن عقولهم مؤيدة بأنوار العلوم ، وكل فعل لم يكن مؤيداً بالأنوار الإلهي لا يدرك حقائق القرآن وأسرارها ، ولا يعد العاقل في زمرة العقلاء ، كما قال تعالى : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [ البقرة : 171 ] أي : صم عن سماع حقائق الأمثال بكم عن الإقرار بقبول فوائدها عمي عن رؤية آثار وكمالها فهم لا يعقلون لطائف خصائصها { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } لمراتب صفات الحق تعالى ليكون مظهرها { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً } أي : في السماوات والأرض آية الحق مودعة ولكن { لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ العنكبوت : 44 ] الذين ينظرون بنور الله تعالى ، فإن النور لا يرى إلا بالنور ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور . وقوله : { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [ العنكبوت : 45 ] يشير إلى أن الله قبل تلاوة القرآن حق تلاوته وذلك بأن يعمل به حتى يتخلق بخلق القرآن لا يقدر على إقامة الصلاة والاستدامة لتنهاه عن الفحشاء ، وهي الالتفات إلى الدنيا والمنكر وهو طلب غير الله وكل صلاة ليست موصوفة بهذه الصفة فهي خداع ، ثم أشار بقوله تعالى : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ العنكبوت : 45 ] أي : أن موجب تلاوة القرآن وإقامة الصلاة تنهي العبد عن الفحشاء والمنكر وهما من أمارات مرض القلب ومرضه لعله نسيان ذكر الله . كما قال تعالى : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] إنما كان لإزالة مرض النسيان فعلى وصية العلاج بالأضداد ، { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ العكبوت : 45 ] من إزالة مرض النسيان عن القلب من تلاوة القرآن وإقامة الصلاة ؛ لأن تلاوة القرآن على نسيان القلب الساهي ، كما قال : " رب تال للقرآن والقرآن يلعنه " ، وكذلك الصلاة هي مصليها مستوجب للويل ، كما قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [ الماعون : 4 - 5 ] وأما الذكر فله اختصاص في إزالة مرض النسيان عن القلب بقوله تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] وعند الاطمئنان توجب سلامة القلب من الأمراض ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام لما نظر نظرة في النجوم ، فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } [ الصافات : 89 ] كان طلبه من الله في إزالة سقمه وسلامة قلبه اطمئنان القلب مع وجود الإيمان قال : { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] إنما اختص الذكر بإزالة مرض القلب دون تلاوة القرآن وإقامة صفته ؛ لأنهما صادرتان من قلب مريض معلول بالنسيان الطبيعي للإنسان ، ورأي العليل عليل ، وأما الذكر وإن كان أيضاً صادراً من القلب المريض ولكنه مختص بطرح إكسير ذكر الله فأبطل خاصية المعلولية وجعله إبريزاً خالصاً مخصوصاً بخاصية المذكورية بقوله تعالى : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] فذكر العبد قد فني في ذكر الله فلا جرم ، { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } في إزالة مرض النسيان عن القلب بإقامة الصلاة وتلاوة القرآن وجميع أركان الإسلام بحضور القلب المتنور بنور الذكر صارت صادرة بجميع شرائطها موجبة للفلاح الحقيقي ، وهو قوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } [ الأنفال : 45 ] وقوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ المؤمنون : 1 - 2 ] وقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } [ الأعلى : 14 - 15 ] والفلاح الحقيقي الإخلاص من جبل الوجود بجود واجب الوجود . وبقوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } [ العنكبوت : 45 ] يشير إلى نظر إليه لا يدرك كمالية الجزاء المعد له بمباشرة أركان الشريعة وملازمة آداب الطريقة للوصول إلى عالم الحقيقة ، كما قال تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 17 ] ولكن يعلم ما تصنعون باستعمال مفتاح الشريعة وصناعة الطريقة لفتح أبواب طلسم الوجود المجازي والموصل إلى الكنز المخفي من الوجود الحقيقي .