Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 1-6)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ آل عمران : 1 - 2 ] ، والإشارة في الآية : إن الله تعالى بعد أن أظهر إلوهيته المودعة في { الۤمۤ } [ آل عمران : 1 ] ، بقوله : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ آل عمران : 2 ] ، أظهر ألطاف ربوبيته المكنونة في أستار العزة وأعطاف محبته [ المخبئة ] تحت قباب الغيرة مع سيد الأولين والآخرين ، وحبيب رب العالمين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين ، أبد الآبدين ودهر الداهرين ، بقوله تعالى : { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [ آل عمران : 3 ] ؛ أي : نزل حقائق القرآن وأنواره على قلبك بالحقيقة ؛ لتجليه لترك حقائقه لا صورة ألفاظه مكتوبة على الألواح ، أحجار مقروءة كل قارئ سريانية وعبرانية دليله قوله تعالى : { نَزَّلَ عَلَيْكَ } [ آل عمران : 3 ] ، قوله تعالى : و { بِٱلْحَقِّ } [ آل عمران : 3 ] نزل ؛ يعني : بالحقيقة نزل ، وقوله تعالى : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [ الرحمن : 1 - 2 ] ، وقوله تعالى : { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } [ الرحمن : 4 ] ، وقوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ } [ الشورى : 52 ] ؛ يعني : ما كنت تعلم حقيقة الكتاب ، وإلا كان يعلم ما صورة الكتاب . ثم أخبر عن حقيقة الكتاب فقال تعالى : { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } [ الشورى : 52 ] . ثم اعلم أن تعليم الرحمن القرآن بأن يتجلى بنور صفة الذي ؛ هو حقيقة القرآن على قلب من شاء من عباده ، ومن علمه الرحمن القرآن بهذا التعليم يكون عليه من الله فضلاً عظيماً ، فمن ذلك الفضل العظيم عليه بعد أن ينزل على قلبه حقيقة القرآن ، علمه ما لم يكن يعلم من أسرار الإلوهية المكنونة في { الۤمۤ } [ آل عمران : 1 ] ، بتعليم تجلي أنوار صفاته على قلبه ، فعلم سر وحدته ، { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ آل عمران : 2 ] ، يدل عليه قوله تعالى : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ محمد : 19 ] ، وصار { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [ البقرة : 97 ] ؛ يعني : فلا كوشف عند تجلي أنوار الصفات بوحدانية الذات ، صار شاهد السر الله في { الۤمۤ } [ آل عمران : 1 ] ، وهو الذي { بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ } [ الحجرات : 1 ] ، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ آل عمران : 2 ] ، فصار مصدقاً تصديق تحقيق لا تصديق تقليد ، فافهم جيداً ، إذ لا تعلم ولا تعلم إنك لا تفهم ؛ لأنه منطق الطير وأنت بعد بيضة لا من الطائرين ولا من السائرين . ثم قال تعالى تأكيداً لهذه العاني وتشييداً لهذه المباني : { وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } [ آل عمران : 3 ] ، { مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } [ آل عمران : 4 ] ؛ يعني : لا تظن يا محمد إن إنزال الكتب الأخرى على الأنبياء : كتنزيل القرآن بالحقيقة قلبك فتكاشف عند تجلي أنواره بأسراره ، وحقائق بيني وبينك لا يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وإنما أنزل الكتاب على الأنبياء والأمم ، كقوله : { هُدًى لِّلنَّاسِ } [ آل عمران : 4 ] ، عمهم فيه وكنت مخصوصاً بالهداية عند تجلي أنوار القرآن في التنزيل على قلبك ، كما قال تعالى : { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } [ الشورى : 52 ] ، وقال تعالى : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] ، خصصك بهداه وعلمه . ثم قال تعالى مؤكداً معناه ومؤيداً لفحواه : { وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } [ آل عمران : 4 ] ؛ يعني : وأنزل الفرقان عليك فرقاناً ، يفرق بين تنزيله على قلبك وبين إنزال الكتب صورة على الأولياء ، ويفرق بين تعلمك القرآن وبين تعلمهم الكتب ، وإنهم كانوا يتدارسون الكتب وأنت تتخلق بالقرآن وتفرق بين ما أفاد لهم الحكمة ، فقد أفاد لك أن أوتيت جوامع الكلم وبه فضلت على الأنبياء ، وبالخمسة الأخرى من إفادة القرآن ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " فضلت على الأنبياء بست " ، ويفرق بين تصرف التنزيل على قلبك وبين تصرف الإنزال عليهم ، فإن كانت الكتب المنزلة عليهم تصرف فيهم بأن يكون الكتاب مع أحدهم نوراً من الله يجيء به إلى قومه ؛ ليكون هدى لهم ، كما قال تعالى : { ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ } [ الأنعام : 91 ] ، فإن تصرف تنزيل نور القرآن على قلبك جعلك نوراً من الله تجيء الأمة ومعك القرآن ، كما قال تعالى : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ } [ المائدة : 15 ] ؛ وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } [ المائدة : 15 ] ؛ وهو القرآن . فشتان بين نبي يجيء ويكون وهو بذاته نور ومعه كتاب ، وبين نبي يجيء ومعه نور من الكتاب ، ويفرق بين ما شرفت به من إكرام الحق وبين ما شرفوا به ، فقال تعالى تشريف لموسى عليه السلام : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 145 ] ، وقال تشريفاً لك : { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] ، وقال تشريفاً لأمتك : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [ المجادلة : 22 ] . فشتان بين نبي يشرف بكتابة الموعظة في الألواح ، وبين نبي تشرف أمته بكتابة الإيمان لهم في قلوبهم ، { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 4 ] ؛ أي : يسترون بحجب الفضلات وتتبع الشهوات قلوبهم ، فعميت عن مشاهدة هذه الآيات البينات والدلائل الواضحات ، والأنوار اللامعات ، والبراهين القاطعات ، { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [ آل عمران : 4 ] ، من هذا العمى والحرمان ، وهم في الخسران المبين بالركون إلى النقصان وترك العاجلة بطريق المتابعة { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } [ آل عمران : 4 ] ، يعز أهل الكرام بنيل المرام ، ويذل اللئام أهل الستر بشدة الانتقام ، فينتقم منهم بتعززه بحجاب العزة ، ويعذبهم بتحجبهم عنه بنقاب العزة . ثم أخبر عن فضله وكرمه العشام مع سائر الأنام ، بأن صوره في الأرحام بقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [ آل عمران : 5 ] ، والإشارة فيها : إن الله هو الذي قدر المقادير في الأزل كيف يشاء ، ودبر الأحوال على ما يشاء ، ثم خلق الأرض والسماء وبث فيهما كل ما يشاء ، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء لا في الأرض ولا في السماء ، { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ } [ آل عمران : 6 ] في الظلمة الثلاث ، { كَيْفَ يَشَآءُ } [ آل عمران : 6 ] ؛ أي : كيف ما يشاء في الأزل حين قدر الخلق والرزق والأجل ، فإذاً لم يخف عليه شيء مما في الأزل ، ولا في تصويركم في الأرحام في الظلمات كيف تخفى عليه ما هو في الخارج ، ثم قال تعالى : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 6 ] ؛ يعني : ليس له آخر ، فيخلق شيئاً يكون مخفياً عليه ، أم بتعقب كلمة وقضاؤه بالنقص أو بعارض بتقديراته وتدبيراته في كل شيء من الأشياء بالإهمال والرفض ، { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 6 ] ، المقدر والمدبر { ٱلْعَزِيزُ } [ آل عمران : 6 ] عن نقض الأحكام { ٱلْحَكِيمُ } [ آل عمران : 6 ] ، فيما يجري من الأزل إلى الأبد ، وجفت به الأقلام . وفيه إشارة أخرى وهي : إن الله تعالى يصور الجنين بصورة الإنسانية على نطفة سقطت في الرحم بتدبير الأربعينيات ، فكذلك إذا سقطت من صلب ولاية الرجل رجاله نطفة إرادة في رحم قلب مريد صادق ، والمريد ليستسلم لتصرفات ولاية الشيخ ؛ وهي بمثابة ملك الأرحام ، فافهم جيداً . ويضبط المريد أحواله ظاهره وباطنه على وفق أمر الشيخ ، ويختار الخلوة والعزلة لئلا يصدر منه حركة عنيفة أو يجد رائحة غريبة ، يلزم منه سقوط النطفة وفسادها ويقعد بأمر الشيخ وتدبيره ، فالله تعالى يتصرف ولاية الشيخ المؤيد بتأييد الحق بمرور كل أربعين عليه بشرائطها ، يحولها من حال إلى حال ، وينقلها من مقام إلى مقام إلى أن يرجع إلى حظائر القدس ورياض الأنس ، التي منها صدر إلى عالم الأنس يقدم الأربعينيات الأولى ، فلما وصل إلى مقامه الأول أيضاً بقدم الأربعنيات كما جاء ، ثم خلق الجنين في رحم القلب ؛ وهي طفل خليفة الله في أرضه ، فيستحق الآن أن ينفخ فيه الروح المخصوص بأنبيائه وأوليائه ؛ وهي روح القدس الذي هو متولي إلقائه ، كقوله تعالى : { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ غافر : 15 ] . وقال تعالى : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [ المجادلة : 22 ] ؛ ولهذه الفائدة العظيمة والنعمة الجسيمة ؛ أهبط الروح من أعلى عليين القرب إلى أسفل سافلين البعد ، كما قال تعالى : { ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] ، فإذا نفخ في الروح يكون آدم وقته فيسجد له بالخلافة الملائكة كلهم أجمعون ، تفهم إنشاء الله تعالى وتنبه .