Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } كلام قديم وخطاب أزلي ، وهو صلى الله عليه وسلم الأبد في كتم العدم بلا هو ، وكان الأمر أمر التكوين فأسمعه الله تعالى في العدم كما أسمع السماوات والأرض ، وهما في العدم { ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] ولما كان الأمر إليهما أمر التكوين فأجاباه بلسان الكينونة ، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما خوطب بأمر التكوين أفق الله أجاب الله بلسان الكينونية : اتقيت الله ، فكان في الأزل إلى الأبد كما كان متقياً ، ولما قال تعالى : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } [ الأحزاب : 1 ] لم يكن مطيعاً لهم من الأزل إلى الأبد كما كان نبياً من الأزل إلى الأبد لقوله : " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } [ الأحزاب : 1 ] بحالك { حَكِيماً } [ الأحزاب : 1 ] فيما قدر لك { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ } [ الأحزاب : 2 ] وهذا أيضاً من التكوين يعني اتبع إلى الأبد ما يوحى بالخطاب الأزلي من ربك { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ } [ الأحزاب : 2 - 3 ] توكلاً أزلياً أبدياً { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [ الأحزاب : 3 ] لك فيما أنعم عليك بنعمة النبوة وهذه النعمة التي لا يمكنك تحصيلها بالأصالة ، فهو حصلها لك بالوكالة وبقوله : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } [ الأحزاب : 4 ] يشير إلى أن القلب صدق درة المحبة ، والمحبة أمانتي التي عرضتها { عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } [ الأحزاب : 72 ] وأمرتكم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، فأهلها أمانة المحبة حضرة جلالي فلا تخوني في أمانتي أي : فلا تحبوا غيري ، ولا تكونوا ممن يتخذون الله أنداداً يحبونهم كحب الله أي يصرفون محبة الله في الأنداد وكونوا كالذين آمنوا وهم { أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } [ البقرة : 165 ] يعني أهل الإيمان ما خانوا في أمانة المحبة وردوها إلى أهلها . فمعنى الآية أن القلب واحد والمحبة واحدة فلا تصلح إلا لمحبوب واحد من غير شريك فإنه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل محبة بالشركة وبقوله : { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } [ الأحزاب : 4 ] يشير إلى أن في القرابة النسبية خواص لا توجد في القرابة السببية وهي مما أودع الله فيها بالحكمة البالغة وعليها أحكام مبنية من الشريعة والطريقة والحقيقة { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الفتح : 23 ] فلا سبيل لأحد أن يضع في الأزواج بالظهار ما وضع الله في الأمهات ، ولا أن تضع الإجابة بالمني ما وضع الله في الأبناء ، فإن الولد سر أبيه كما قال تعالى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } [ الأحزاب : 4 ] فما لم يجعل الله ليس مقدور أحد أن يجعله { ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } [ الأحزاب : 4 ] لا حقيقة له { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } [ الأحزاب : 4 ] أي : اسم كل شيء مناسب لمعناه كما هدى آدم بتعليم الأسماء كلها وخصه بهذا العلم دون الملائكة المقربين { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } [ الأحزاب : 5 ] فيما اختصهم به بقوله : { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } [ الأحزاب : 5 ] يشير إلى أن آباءهم الحقيقة الذين ولدوهم من أرحام قلوبهم في عالم الملكوت وهي النشأة الثانية من الأنبياء { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [ الأحزاب : 5 ] في معرفة الإنسان ، فإن النسب الحقيقي ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه النسبة الباقية كما قال صلى الله عليه وسلم : " كل حسب ونسب تتقطع إلا حسبي ونسبي " فحسبه الفقر ، ونسبه النبوة { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [ الأحزاب : 5 ] بقطع الرحم عن النبوة بترك سنته وسيرته ، وأنتم تعلمون أن يكون مخالفته قطع رحم الأبوة { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الأحزاب : 5 ] فيما صدر عنكم بغير قصدكم في قطع الرحم الحقيقي .