Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 20-24)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن حال الشيطان مع الإنسان بقوله : { وَلَقَدْ صَدَّقَ } [ سبأ : 20 ] حديثاً عليهم { إِبْلِيسُ } [ سبأ : 20 ] عليهم ظنه يشير إلى أن إبليس لم يكن متيقناً أنه يقدر على الإغواء والإضلال بل كان ظاناً بنفسه أنه يقدر على إغواء من لم يطع الله ورسوله ، ولما زين لهم الكفر والمعاصي على وفق هواهم ، وتابعوه بذلك صدق عليهم ظنه غير مستقل في التسلط عليهم بل بتسليط الله إياه عليهم . كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ } [ سبأ : 21 ] أي : ما سلطناه عليهم إلا لنميز { مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ } [ سبأ : 21 ] أي : نظهر ونبين من هو مؤمن ممن هو منها أي : من الآخرة { فِي شَكٍّ } [ سبأ : 21 ] ولا يظنن ظان بالله ظن السوء إن الله جل جلاله لم يكن عالماً بأهل الكفر وأهل الإيمان ، وإنما سلط عليهم إبليس ليعلم به المؤمن من الكافر ، فإن الله تعالى بكمال قدرته وحكمة خلق أهل الكفر مستعداً للكفر وخلق أهل الإيمان مستعداً للإيمان ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً ، وخلق النار وخلق لها أهلاً " . { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] فالله تعالى كان عالماً بحال الفريقين قبل خلقهم ، وهو الذي خلقهم على ما هم به ، ولهذا قال : { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [ سبأ : 21 ] أي : هو الذي يحفظ كل شيء على ما هو به وقال صلى الله عليه وسلم : " بعث الشيطان مزيناً وليس إليه في الضلالة شيء وإنما سلطه على بني آدم لاستخراج جواهرهم عن معادنهم الإنسانية " كما تسلط النار على المعادن لتخليص جوهرها فإن كان الجوهر ذهباً فيخرج من الخلاص الذهب وإن كان الجوهر نُحاساً فيخرج النحاس ، فلا تقدر النار أن يخرج من معدن النحاس الذهب ولا من معدن الذهب النحاس ، وإنما سلط الشيطان على بني آدم ؛ لأنهم معادن الذهب والفضة وهو ناري ليستخرج جواهرهم من معادنهم بنفخة الوسواس فلا يقدر أن يخرج من كل معدن إلا ما هو جوهره . وبقوله : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [ سبأ : 22 ] يشير إلى الهوى والدنيا والشيطان فإن النفوس الحيوانية يعبدون هذه الأشياء ويتخذونها آلهة لاحتياجهم بها { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ سبأ : 22 ] سماوات القلوب { وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ سبأ : 22 ] أرض النفوس من سعادة ولا شقاوة ، وما لهم فيهما من شرك أي : شركة في إصلاح القلوب والنفوس وإفسادها ، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء وما له أي : { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } [ سبأ : 22 ] أي : معاونة في الإصلاح والإفساد وإن كانوا وسائط لهذا المعنى ؛ لأنهم كالمال للصانع ، فالصانع واحد والآلات والأدوات كثيرة . وبقوله : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] يشير إلى أنه تعالى منفرد بملكه متوحد في الهيئة متقدس عن الأضداد والأنداد ، وإن الملائكة في السماء بوصف الهيبة فزعون لا يتجاسرون بشفاعة أحد إلا بإذنه ، وإنهم مع رفعة قدرهم وعزة قوتهم إذ أوحى الله بشيء وسمعوا كلامه من سطوة كلامه يفزعون ومن عظمة كلامه لا يفهمون { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } [ سبأ : 23 ] يعني : يسأل بعضهم عن بعض قالوا الحق يعني ما فهموا من الهيبة كلامه ولكن يعلمون أنه يقول الحق ولا يقول الباطل { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } [ سبأ : 23 ] أي : علي الشأن وكبير السلطان في ذاته وصفاته وأفعاله . { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ سبأ : 24 ] سماوات القلوب { وَٱلأَرْضِ } [ سبأ : 24 ] أرض النفوس { قُلِ ٱللَّهُ } [ سبأ : 24 ] يشير إلى أن ماء الفيض إذا نزل من سماء القلب وضياء شمس الروح إذا سطع من سماء القلب على أرض النفس ، وفيها بذر المعاملات الشرعية مزروع فمن الذي يرزق من ثمراتها إلا الله ؛ لأن ماء الفيض وضياء شمس الروح على أرض النفس المزروعة ببذر أعمال الشريعة لا يثمر إلا بهبوب ريح العناية عليه { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى } [ سبأ : 24 ] بالإيمان بهذه الحقيقة أو هاهنا بمعنى الواو يعني أنا وإياكم لعلى هدى إذ نؤمن بهذا { أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] إن لم يؤمن بهذا .