Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 53-56)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إسراف الأشراف بقوله تعالى : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 53 ] ، يشير إلى مدح وذم من التسمية بـ { يٰعِبَادِيَ } [ الزمر : 53 ] مدح ، والوصف بأنهم أسرفوا ذم ، فلما قال : { قُلْ يٰعِبَادِيَ } [ الزمر : 53 ] طمع المطيعون أن يكونوا هم المقصودين بالآية ، فرفعوا رؤوسهم ونكس العاصي رأسه من أناجي يقول لي : هذا ، فقال تعالى : { ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } [ الزمر : 53 ] فانقلب الحال ، فهؤلاء الذين نكسوا رؤوسهم انتعشوا وزالت زلتهم ، والذين رفعوا رؤوسهم أطرقوا وزالت حولتهم ، ثم أزال الأعجوبة عن القصة بما قوى رجاهم بقوله : { عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [ الزمر : 53 ] ؛ يعني : إن أسرفت فعلى نفسك أسرفت لا تقطعوا من رحمة الله بعد ما قطعت اختلافك إلى بابنا فلا ترفع قلبك عنا ، { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } [ الزمر : 53 ] ، واللام للاستغراق والعموم ، والذنوب جمع وجميعاً تأكيداً ، فكأنه قال : أغفر ولا أترك ، وأعفوا ولا أبقي ، وفيه إشارة أخرى وهي أنه بـ { يٰعِبَادِيَ } [ الزمر : 53 ] استخصهم بالمغفرة على الإسراف بالذنوب ، فإنه تعالى في الأزل جعلهم من خواص عباده ، وقبلهم بلا علة ، فلا يردهم بالعلة ، ومن كرمه يقول : " إن كانت لكم جناية كثيرة عميمة فلي بشأنكم عناية قديمة " ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ } [ الزمر : 53 ] لكم في الأزل ، وأنتم في كتم العدم ، { ٱلرَّحِيمُ } [ الزمر : 53 ] عليكم إلى الأبد . وبقوله : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ } [ الزمر : 54 ] ، يشير إلى عباده المختصين بالعناية وإن أسرفوا أن ارجعوا إلى ربكم بالكلية ، فالتوبة لأهل البداية وهي الرجوع من المعصية إلى الطاعة ، والأوبة للمتوسط وهي الرجوع من الدنيا إلى الآخرة ، والإنابة لأهل النهاية وهي الرجوع مما سوى الله إلى الله بالقناعة في الله وهو قوله : { وَأَسْلِمُواْ لَهُ } [ الزمر : 54 ] ، أي : أسلموا ببذل ليفنيكم به عنكم ، { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ } [ الزمر : 54 ] بأن تفسدوا الاستعداد الأصلي فتستوجبوا العذاب ، { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } [ الزمر : 54 ] لعدم الاستعداد . وبقوله : { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } [ الزمر : 55 ] ، يشير إلى أن ما أنزل من الله منه : ما يكون حسناً ، ومنه : ما يكون أحسن ، فالذي أنزل وهو حسن فهو ما يدعونه إلى الجنة ، والذي أنزل وهو أحسن فهو يدعو به إلى الله عز وجل وهو قوله : { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } [ الأحزاب : 46 ] ، فالمعنى اتبعوا داعي الله بالسير إلى الله ، { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً } [ الزمر : 55 ] عذاب الفرقة والقطيعة بإفساد الاستعداد فلا يمكنكم الإنابة والرجوع ، { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [ الزمر : 55 ] إنكم منقطعون . { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 56 ] بإفساد استعداد الوصول إلى الله ، { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } [ الزمر : 56 ] المنكرين المستهزئين بأرباب الطلب ، وأصحاب القلوب .