Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 63-67)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن كمال قدرته إظهاراً لعزته بقوله تعالى : { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الزمر : 63 ] ، يشير إلى أن له مفاتيح خزائن لطفه وهي مكتوبة في سماوات القلوب ، وله مفاتيح خزائن قهره وهي مودعة في أرض النفوس ؛ يعني : لا يُملِّك لأحد مفاتيح خزائن لطفه وقهره إلا هو ، وهو الفتاح وبيده المفتاح يفتح على من يشاء أبواب خزائن لطفه في قلبه فيخرج ينابيع الحكمة منه وجواهر الأخلاق الحسنة ، ويفتح على من يشاء أبواب خزائن قهره في نفسه فيخرج عيون المكر والخداع والحيل منها وفنون الأوصاف الذميمة ؛ ولهذا السر قال صلى الله عليه وسلم " مفتاح القلوب لا إله إلا الله " ، وكما سأله عثمان رضي الله عنه عن تفسير مقاليد السماوات والأرض قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، كما مر ذكره ، { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الزمر : 63 ] ، يعني : بأنهم فتحوا أبواب نفوسهم بمفتاح الكفر والنفاق . { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } [ الزمر : 64 ] عن فضله في حقي ، فإنه بتوحيده ربَّاني ، وبتفريده عذاني ، وبشراب حبه سقاني . وبقوله : { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ الزمر : 65 ] ، يشير إلى أن الإنسان ولو كان نبياً لئن وكل إلى نفسه ليفتحن بمفتاح الشرك والرياء أبواب خزائن قهر الله على نفسه ، وليحبطن عمله بأن يلاحظ غير الله بنظر المحبة ، ويثبت معه في الإبداع سواه ، وليكونن من جملة المشركين الخاسرين ، وفيه دقيقة لطيفة وهي أن الله تعالى قال : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] ، أي : من مكاسبك ؛ ولكن لا يحبط من مواهبي شيء ؛ يعني النبوة والرسالة من مواهبي لا تبطلها مكاسبك كما لا تحصلها { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [ الزمر : 66 ] ، بأنه كونك نبياً مرسلاً بفضله وكرمه لا بسعيك وعملك . { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ } [ الزمر : 67 ] ما عرفوه حق معرفته ، وما وصفوه حق وصفه ، وما عظموه حق تعظيمه ، فمن وصف بتمثيل أو جنح إلى تعطيل حاد عن السنن المثلى ، وانحرف على طريقة الحسنى ، ووصفوا الحق بالأعضاء ، وتوهموا في نعمته إلا جزاء مما قدروه { حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [ الزمر : 67 ] ، فمذهبي في تحقيق هذه الآية أن أجري على ما أراد الله تحقيقها فلا أفسرها ولا أُؤلها من المتشابهات فلا مساغ لها إلا الإيمان بها ، كما قال تعالى : { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ آل عمران : 7 ] أي : نؤمن به ولا نفسره ولا نؤوله ، فأما أرباب الحقائق والإشارات وأن يريهم الله تعالى حقيقة بعض المتشابهات ، فالعلاج في هذا الزمان ألاَّ يفشو أسرار الحق تعالى بالكتابة ، اللهم إلا أن يجدوا مريداً صادقاً مستعداً لقبول هذا الفيض بلا تعصب منزهاً عن شوائب الهوى ؛ لئلا يقع في فتنة ؛ ولهذا المعنى نزه الله ذاته وصفاته عن فهم المفسرين ووصف المتأولين فقال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر : 67 ] ؛ أي : بصفات المخلوقين .