Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 78-81)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن إرسال الرسل ، وإيضاح السبل بقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ } [ غافر : 78 ] يشير إلى أن الحكمة البالغة الأزلية اقتضت أنا نبعث قبلك رسلا ، ونجري عليهم وعلى أممهم أحوالاً ، ثم { نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ } [ هود : 120 ] أنبائهم { مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [ هود : 120 ] ونؤدبك بتأديبهم ؛ لتتعظ بهم ، ولا نقدمك بالرسالة عليهم ؛ ليتعظوا بك ، فإن السعيد من يتعظ بغيره { وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } [ غافر : 78 ] ؛ لاستغنائك عن ذلك ، تحفيفاً لك عما لا يعنيك ، وهذه أمارة كمال العناية فيما قص عليه وفيما لم نقصص عليه ، وفيه جواب من التمس منه صلى الله عليه وسلم أن يأتي بآية ، فقال : كما أن ذكر الرسل وقصصهم ما كان بالتماس النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإرادة الله ، كذلك { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ غافر : 78 ] على ما اقتضت الحكمة والإرادة في إتيان الآية { قُضِيَ بِٱلْحَقِّ } [ غافر : 78 ] بإتيانها في وقتها وإظهارها على يده كما التمسوها ، { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ غافر : 78 ] الذين أرادوا إبطال الحق بتكذيب الآيات . ثم أخبر أنه تعالى أظهر من الآيات لمصلحة عباده ، وما لم يظهر أيضاً لم يظهر لمصلحتهم بقوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } [ غافر : 79 - 80 ] ؛ أي : خلقها لمنافعكم ، ولو كان لكم فيها مفاز لم يخلقها ومنافعها { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [ غافر : 80 ] ؛ يعني : خلق الفلك أيضاً لمصلحتكم ومنفعتكم . وفيه إشارة أخرى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } [ غافر : 79 ] ؛ أي : خلق النفس البهيمية الحيوانية ؛ ليكون مركباً لروحكم العليا { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } [ غافر : 80 ] من مشاهدة الحق ومقامات القرب { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } [ غافر : 80 ] ؛ أي : في صفاتها ، وهي الشهوة الحيوانية ، ومنفعتها أنها مركب العشق والغضب ، وأنها مركب الصلابة في الدين ، والحرص مركب الهمة ، وبهذه المراكب يصل إلى المراتب العلوية ، كما قال : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } ؛ أي : صفات القلب { تُحْمَلُونَ } ؛ أي : جوار الحق تعالى ، { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [ غافر : 81 ] بتجلي صفاته { فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ } [ غافر : 81 ] ؛ أي : صفاته { تُنكِرُونَ } [ غافر : 81 ] إذا تجلى بها ؛ أي : لا يبقي معها الإنكار والجحود .