Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [ فصلت : 1 - 2 ] يشير : بالحاء إلى الحكمة ، وبالميم إلى المنة ؛ أي : منَّ على عباده بتنزيل حكمة من الرحمن الأزلي ، الذي سبقت رحمته غضبه ، فخلق الموجودات برحمانيته الرحيم الأبدي ، الذي وسعت رحمته كل شيء إلى الأبد { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } [ فصلت : 3 ] بين الحق والباطل ، والسعيد والشقي ، وبقوله : { قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ فصلت : 3 ] يشير إلى أن القرآن قديم من حيث أنه كلام الله وصفته ، والعربية كسوة مخلوقة ، كساه الله { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ فصلت : 3 ] العربية ، والعربية بحروفها مخلوقة والقرآن منزه عنها ، { بَشِيراً } [ فصلت : 4 ] لمن يعرف قدره ويؤدي حقه بالوصول والوصال { وَنَذِيراً } [ فصلت : 4 ] لمن لم يعرف قدره ، ولا يؤدي حقه بالانقطاع والانفصال ، { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } [ فصلت : 4 ] عن أداء حقه { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } [ فصلت : 4 ] بسمع القبول والانقياد . { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } [ فصلت : 5 ] في التوحيد { وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ } [ فصلت : 5 ] ما يفهم كلامك قالوه حقاً ، وإن قالوا على الاستهانة والاستهزاء ؛ لأن قلوبهم في أكنة حب الدنيا وزينتها ، مقفولة بقفل الشهوات والأوصاف البشرية ، ولو قالوا ذلك عن بصيرة لكان ذلك منهم توحيد ، فتعرضوا للمقت لما فقدوا من صدق القلب ؟ ! قالوا : { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [ فصلت : 5 ] من الأنانية { فَٱعْمَلْ } [ فصلت : 5 ] بالله فانياً عن وجودك موحداً { إِنَّنَا عَامِلُونَ } [ فصلت : 5 ] ببقاء وجودنا مشركين ، وبقوله : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ فصلت : 6 ] يشير إلى أن البشر كلهم متساو ، وفي البشرية مسدود بهم باب معرفة الله بالوحدانية بالآلات البشرية من العقل وغيره ، وإنما فتح هذا الباب على قلوب الأنبياء بالوحي ، وقلوب الأولياء بالشواهد والكشوف ، وعلى قلوب المؤمنين بالإلهام والشرح ، كما قال تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] ، وبقوله : { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ } [ فصلت : 6 ] يشير إلى أن استقامة المرء في دينه موقوف على استقامته في المتابعة ظاهراً وباطناً ، { وَٱسْتَغْفِرُوهُ } [ فصلت : 6 ] ؛ ليرفع بقوة النبوة الحجب التي بينكم وبينه { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ } [ فصلت : 6 ] الذين بقوا في شرك الوجود { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [ فصلت : 7 ] ؛ أي : لا يزكون نفوسهم عن خبث الحديث { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ } [ فصلت : 7 ] وهى وجودهم الباقي { هُمْ كَافِرُونَ } [ فصلت : 7 ] بكفر السر والحجاب . ثم أخبر عن عرفان الإيمان بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ فصلت : 8 ] يشير إلى أن من آمن ولم يعمل صالحاً لم يؤجر إلا ممنوناً ؛ أي : ناقصاً ، وهو أجر الإيمان ، ونقصان من ترك العمل ، ثم بترك العمل الصالح يدخل النار ويخرج منها بأجر الإيمان ، فأجر العمل الصالح الذي يصدر من النفس الجنة ، وهو الأعمال البدنية : كالصلاة والصوم والحج وما أشبهها ، وأجر الأعمال القلبية : كالرضاء واليقين والتوكل وما أشبهن من الأخلاق الحسنة ، الشوق والمحبة وصدق الطلب ، وأجر الأعمال الروحانية : كالتوجه إلى الله بالكلية ، وترك التلذذ بكشف الأسرار ، وشهود المعاني والكرامات ، والاستئناس بالله ، والاستيحاش من الخلق ، والقلق في المحبة ، وأجر أعمال الأسرار : كالإعراض عما سوى الله ، وترك الركون إلى مقامات القرب ، والفطام عن الالتذاذ بالمعارف ، ودوام التجلي ، وكشوف الحقائق بالدقائق .