Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 26-27)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن الحمية الجاهلية بقوله تعالى : { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } [ الفتح : 26 ] ، يشير إلى أن خاصية أهل الخذلان ، فإنه تعالى إذا أخذل أحد وكله إلى نفسه ، فنفسه الأمارة بالسوء تأمره بالفواحش والأخلاق الذميمة إلى أن يتعدى إلى قلبه ، والقلب يتصف بصفات النفس ، فالحمية الجاهلية هي : أنفة النفس تعدت إلى قلوب أهل الخذلان . ثم أخبر عن أهل العناية بقوله : { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الفتح : 26 ] ، وهي نور نظر العناية إلى قلوب أهل العناية ، ومن نتائج النظر { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } [ الفتح : 26 ] ، وهي كلمة لا إله إلا الله إلزام إكرام ، ولطف بأن حبب إليهم الإيمان ، وزينه في قلوبهم حتى اتقوا بوحدانيته عما سواه ، { وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } [ الفتح : 26 ] مع جميع الأمم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلاصة الموجودات وأصلها ، وهو الحبيب الذي خلقت الموجودات بتبعيته ، والكلمة هي صورة الجذبة التي توصل الحبيب بالحبيب والمحب بالمحبوب ، فهي بالنبي أحب ؛ لأنه هو الحبيب لتوسله إلى حبيبه ، وأمته أحق بها من الأمم ؛ لأنهم المحبون لتوصل المحب بالمحبوب ، وهم أهلها لأن أهل هذه الكلمة من يفدي بذاته وصفاته من حقيقة الكلمة ، فينتفي بنفيها عن ذاته وصفاته ، ويبقى بإثباتها معها بلا أنانية ، وما بلغ هذا المبلغ بالكمال إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول : " أما أنا فلا أقول أنا وأمتي " ؛ لقوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] ، { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [ الفتح : 26 ] في الأزل فينا وجود كل إنسان على ما هو أهله ، فمنهم : أهل الدنيا ، ومنهم : أهل الآخرة ، ومنهم : أهل الله وخاصته . وبقوله : { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ } [ الفتح : 27 ] ، امتحن المؤمن والمنافق بهذه الرؤيا ؛ إذ لم يتعين وقت دخولهم فيه ، فأخر الدخول تلك السنة ، فهلك المنافقون بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيما وعدهم بدخول المسجد الحرام ، وازداد كفرهم ونفاقهم ، وازداد إيمان المؤمنين بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم مع إيمانهم ، وانتظروا صدق رؤياه فصدق الله ورسوله الرؤيا بالحق ، فهلك من هلك عن بينة وحيي من حيي عن بينة ولذلك قال تعالى : { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } يعني : من تربية نفاق أهل النفاق وتقوية إيمان أهل الإيمان { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } من فتوح الظاهر والباطن .