Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 67-70)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن تبليغ الرسالة وعدم الالتفات بأهل هذه الحالة وسوء المقالة بقوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [ المائدة : 67 ] ، إشارة إن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الرسل إليه من دينه مطلقاً بقوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } المائدة : 67 ] ، فاندرج تحت الأمر ما أنزل إليه من ربه من الوحي والإلهامات والمنامات والوقائع والواردات والمشاهدات والكشوف والأنوار والأسرار والأخلاق والمواهب والحقائق ومعاني النبوة والرسالة كلها . ثم أكد الأمر بقوله تعالى : { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [ المائدة : 67 ] ؛ لأن الحكمة في إرسال الرسول أن يكون الرسول داعياً إلى الله بإذنه ، ويكون لهم في سلوك الطريق هادياً إلى صراط مستقيم إلى الله وسراجاً منيراً يهتدي به ويقتدي إلى أن يوصلهم إلى الله تعالى ، فحقائق النبوة والرسالة والمشاهدات والكشوف كلها منازل منارات ومقامات أحوال الواصلين السائرين إلى الله تعالى ، فالرسول إن لم يبلغ بعض هذه الحقائق إلى العباد ؛ فلا يمكنهم الوصول إلى الله تعالى ، فلا يحصل مقصود ما أرسل منه ، ففي الحقيقة ما بلغ رسالته بالكمال إلا أن للتبليغ مراتب بحسب ما أنزل إليه ، كما أنزل إليه بأحوال مختلفة ، فالتبليغ بالعبادة ؛ وتبليغ بالإشارة وتبليغ بالتأديب والتهذيب ، وتبليغ بالتعليم وتبليغ بالتزكية وتبليغ بالتحلية وتبليغ بالأخلاق وتبليغ بالضرة وتبليغ بجذبات الولاية ، وتبليغ بقوة النبوة والرسالة وتبليغ بالشفاعة ، وهذا سر عظيم يتضمن حقائق كثيرة ، ولهذا السر قال صلى الله عليه وسلم : " يحتاجون إلى شفاعتي يوم القيامة حتى إبراهيم عليه السلام " . واعلم أن للحق أيضاً مراتب في قبول الدعوة والرسالة وحقائقها ، كقوله تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ } [ الأنعام : 124 ] ، حيث يجعل رسالته ، ولهذا التفاوت في قبول الدعوى على حسب الاستعدادات المختلفة ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعانيين من العلم ، فأما أخذه فقد بثثته ، وأما الآخرة فلو بثته ليقطع هذا البلعوم ، ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] ؛ أي : يعصمك بأوصاف لاهوتيك عن أوصاف ناسوتيتك ؛ لتصرف في الخلق بقوة اللاهوتية فتوصلهم إلى الله ، ولا يتصرفون فيك فيقطعوك عن الله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ المائدة : 67 ] ؛ يعني : من سنته صلى الله عليه وسلم أن لا يهدأ إلى حضرته قوماً جحدوا نبوة الأنبياء ، وما قبلوا رسالة الرسل ليبلغوا إليهم ما أنزل إليهم من ربهم ، وأنكروا على الأولياء وما استمسك بعروة ولايتهم ؛ ليوصلوهم إلى الله تعالى سنة الله { ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الفتح : 23 ] . ثم أخبر أن المتمسكين بأقوال أهل الحق بقوامات ما { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [ المائدة : 68 ] ، إشارة أن الخطاب يعم جميع من أنزل إليهم الكتب ، ويخص لأرباب العلوم الظاهرة المحرومين عن العلوم الباطنة { لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } [ المائدة : 68 ] ، من حقيقة الدين بمجرد تعلم العلوم الظاهرة وشرائع الدين ، أنتم الغافلون عن العلوم الباطنة وحقيقة الدين { حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [ المائدة : 68 ] ؛ يعني : حتى تقيموا أحكام ظاهرها وباطنها ، وزينوا ظاهركم وباطنكم بالأعمال والأحوال التي يشير إليها ظاهرياً وباطنها وهذا احتمالاً بتصور إلا بمقدمتين ونتائج أربع ، فأما المقدمتان فأولهما : الجذبة الإلهية ، وثانيها : التربية الشيخية ، وأما النتائج فأولها : الإعراض عن الدنيا وما يتعلق بها كلها ، وثانيها : التوجه إلى الحق بصدق الطلب ، وهي من نتائج الجذبة ، ثم تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة وتحلية القلب بالأخلاق الإلهية ، وهما من نتائج التربية الشيخية باستمداد القوة النبوية { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ } [ المائدة : 68 ] ؛ يعني : من العلماء التوبة { مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [ المائدة : 68 ] ، من أنصاف الربوبية يا أهل التحقيق في العبودية { طُغْيَاناً وَكُفْراً } [ المائدة : 68 ] ، إنكاراً وحسداً { فَلاَ تَأْسَ } [ المائدة : 68 ] ، يا أهل التحقيق { عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [ المائدة : 68 ] ، الجاحدين المنكرين فإنهم خلقوا مستعدين لهذا الإنكار الموصل إلى دركات النار . ثم أخبر عن إيمان أهل الإتقان بقوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ } [ المائدة : 69 ] ، إشارة أن من ادعى الإيمان وأظهر من الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون { وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ } [ المائدة : 69 ] ، من هؤلاء { بِٱللَّهِ } [ المائدة : 69 ] بهداية الله ونوره ولا بالتقليد والنفاق بالعادة المعتادة بين قومه وأهل بلده { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ المائدة : 69 ] ؛ أي : شاهد بنور الله الذي حقيقة الإيمان يوم الآخرة وحقيقة الجنة والنار كما قال حارثة رضي الله عنه وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وأهل النار يتعادون { وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ المائدة : 69 ] ، فيما لا يكون على شيء فإنهم يقيمون بأنك كنز التوراة والإنجيل والقرآن عملاً بالظاهر والباطن { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ المائدة : 69 ] ، على ما يقاسون من شدائد الرياضات والمجاهدات من مخالفات النفس في ترك الدنيا ، وقمع الهوى ولا على ما أصابهم من البلاء والمحن والمعيبات والآفات ، وهذا حال خواص الأولياء كما قال تعالى : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] . ثم أخبر عن أهل الهوى بقوله تعالى : { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ المائدة : 70 ] ، الإشارة إنا لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ؛ يعني : يوم الميثاق مع ذريات بني آدم ؛ إذ أخرجهم من ظهر آدم في التوحيد والمعرفة في غيبة الأجساد ، ثم { وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً } [ المائدة : 70 ] ، في حضورهم بالأجساد في عالم الشهادة من الإلهامات الربانية والواردات الروحانية والرسل الحسدانية { كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ } [ المائدة : 70 ] ، من هؤلاء { بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ } [ المائدة : 70 ] ؛ أي : على خلاف هوى نفوسهم وكانوا مغلوبي الهوى يحجبهم الهوى عن استماع الحق ورؤية الشواهد ومعرفة الرسل { فَرِيقاً كَذَّبُواْ } [ المائدة : 70 ] ، من الإلهامات والواردات { وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } [ المائدة : 70 ] من الرسل ظاهراً فعبدوا الهوى ، واتخذوا إلههم أهولئهم .